السبت، 15 أكتوبر 2011

هـــام جدا ..فضائح حزب التحرير حمل كتاب التبصرة ليوسف سباتين شيخ حزب التحرير ..!!!!

Thumbs down هـــام جدا ..فضائح حزب التحرير حمل كتاب التبصرة ليوسف سباتين شيخ حزب التحرير ..!!!!






يقول الله العزيز الحكيم جل جلاله : 
في كتابه العزيز 
(إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم)
(أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ 
وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ 
الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ ) ؟؟

وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا...
فِي سَبِيلِ اللَّهِ 
أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ 
هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْـرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ
يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ
وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ (167)




القـــــــــدس ..
العاصمه الابديه الخالـــــده 
للشعــــــب الـعربي الفلسطيني ..!!

اســال الله الكريــم رب العــرش العظيم أن يعافيني و اياكم 
من شرور 
الضالين والمضلين 
اللهم امين 
****
***
**
*
"كبرت كلمة
تخرج من أفواههم 
إن يقولون إلا كـــــذبا"

***
**
*





**
*

جاء في حديث ابن مسعود : "
إن الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ،
ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، 
من يهده الله فلا مضل له ،
ومن يضلل الله فلا هادي له ،
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ،
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله " .













القافله تسير ....





لاحوووووووووووووووول الله

زنـــقه زنــــقه 

فضائح حزب التحرير

حمل كتاب

التبصرة ليوسف سباتين شيخ حزب التحرير

كتاب التبصرة ليوسف سباتين


يفتي بجواز قبلة المراة الأجنبية وجواز مشاهدة افلام الدعارة 

للتحميل الرابط التالي






المصدر على الرابط التالي 




كتاب التبصرة




مؤلفه


الشيخ يوسف السباتين


(أبو العز)







بسم الله الرحمن الرحيم


المقدمة


منذ قام حزب التحرير يدعو المسلمين لإقامة دولة الخلافة، ودخل مرحلة التفاعل في المجتمع بالكفاح السياسي والصراع الفكري؛ لم يترك عقيدة فاسدة في المجتمع إلا صرعها، ولا فكراً خاطئاً إلا هزّه وحطّمه، ولم يترك عميلاً إلا كشفه، ولا مخططاً استعمارياً إلا فضحه.

منذ ذلك الحين أدرك العملاء خطورة دعوته وجديته في العمل، لتحطيم كياناتهم وإقامة دولة الخلافة على أنقاض دويلاتهم، فبدأوا محاولاتهم لصرفه عن الخط المستقيم الذي سار عليه، ذلك الخط الذي لم يهادن فيه ظالماً، ولم يداهن فيه حاكماً، فقاموا بالدعاية ضدّه مرة، وبتجويع أعضائه وطردهم من أعمالهم مراراً، وأخيراً طبّقوا عليهم قاعدة ما يسمى بـ (تجريدهم من حقوقهم المدنية)، ومنعوهم من كل وظائف الدولة، وأخذوا جوازات سفر كل مَن تمكّنوا من أخذ جوازاتهم، ولاحقوهم في كل مكان، فلما فشلوا في الحد من نشاطهم، لجأوا إلى أساليب القمع والتعذيب، ولكنه خاب سعيهم، ورأوا أنه لا بد من اتفاق دوليّ على مقاومته والتعتيم على أخباره، ومنعه من نشاطه في كل بلد، ولكنه بالرغم من كل هذه العقبات شقّ طريقه ونشر آراءه وأفكاره، وصارت معروفة ومشهورة في مجاله الذي يعمل فيه. ولمّا لم يجدوا وسيلة ناجحة للحد من نشاطه لجأوا إلى أناس باعوا دينهم بدنياهم، واتخذوا الإسلام وسيلة للتكسّب، فأصدروا كتباً تتضمن في طياتها أحكاماً خاطئة، وآراء فاسدة، وأخباراً كاذبة، لتكون لهم سلاحاً يهاجمون بها الحزب، لكن سلاحهم رُدّ إلى نحورهم فخابوا وخسروا.

وفي هذا الكتاب سأوضح بعض الأفكار التي فات الكثيرين الاطلاع عليها لقلة النشرات التي صدرت فيها أو صودرت، ليتبينوا صدقها وصحة أدلتها.





كتاب


الدعوة الإسلامية


فريضة شرعية وضرورة بشرية


والدكتور صادق أمين


كتاب الدعوة الإسلامية كتاب يبيّن فيه مؤلفه ضرورة وجود تنظيم إسلامي يعمل على إقامة الخلافة أو الإمامة التي بدونها لا يتأتى للإسلام أن يكون منفّذاً في حياة المسلمين، ويرسم الطريق للحركة الإسلامية ويعيّن لها منهاج العمل، ويطلب من أعضائها خلع ولائهم للحكام القائمين على واقع البشرية الفاسد.

اسم الكتاب جميل ومُغْرٍ، ودعوة مؤلفه المؤمنين لأن يخلعوا ولاءهم للحكام دعوة رائعة، ولكنها كدعوة معاوية إلى التحكيم، وكخديعة عمرو بن العاص برفع المصاحف على السيوف، ومثلما انخدع الزُّهّاد من جماعة علي بن أبي طالب، انخدع السُّذّجُ من الناس بهذا الكتاب، ومثلما أذن معاوية أن تُرفع المصاحف لتُرى وتُشاهد؛ أذن الحكام الذين دعا الدكتورُ في كتابه أعضاء الجماعة المسلمة إلى خلعهم، أذنوا برواج هذا الكتاب في الجامعة الأردنية وخاصة في كلية الشريعة، ليطّلع المدرسون والطلاب على ما فيه، والسؤال الذي يرد الآن هو:

لماذا أذنت الحكومة برواج هذا الكتاب في أعلى معاهدها في الوقت الذي يدعو مؤلفه فيه أعضاء الجماعة المسلمة لأن يخلعوا ولاءهم منها ويعملوا على إقامة دولة الخلافة؟

هل تريد الدولة في الأردن أن يخلع الناس ولاءهم لها؟ والجواب على ذلك هو أن الدولة ما زالت حريصة على ولاء الناس لها، ولا زالت لا تطبّق الإسلام ولا تحمله لأحد، بل تزُجّ دعاة الإسلام في السجون، ولكنها أذنت به للآراء التي كتبها الدكتور ظنّاً منها أن هذه الآراء المتهافتة والمغالطات الكاذبة التي صاغها الدكتور وفقاً لرغبتها؛ أنها ستُسيء إلى سمعة الحزب وستكون سلاحاً ضده، وعلماً منها أن دعوة الدكتور أعضاء الجماعة المسلمة إلى خلع ولائهم من الدولة إنْ هي إلا خديعة للجماهير، إذ لو دعا إلى ذلك عضو من أعضاء حزب التحرير لكان جزاؤه السجن.

هذا الدكتور الذي خجل أن يذكر اسمه (يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله)، وادّعى أنه صادق أمين، أورد في كتابه وفي موضوع "تقييم آراء وأفكار حزب التحرير مجموعة من الآراء والأحكام معظمها آراء جديدة وأحكام جديدة لمشاكل عملية جديدة، وعلّق عليها تعليقات لا تتفق مع أسلوب الفقيه النزيه.

الفقيه النزيه إذا أراد أن ينقد رأياً لغيره يُورد أولاً الرأي الذي يُريد أن ينقده كما ورد عن صاحبه، فلا يبتر شيئاً من أوله ولا من آخره، ولا يصوغه صياغة جديدة لتوافق هواه، ثم يورد الأدلة التي استدل بها صاحبها على رأيه كما وردت، ولا ينقص منها شيئاً، ثم بعدئذ ينقضها بأدلة معارضة لها أقوى منها، ويُعطي الرأي الذي يريد مصحوباً بأدلته، هكذا كان يفعل العلماء الذين أخذنا عنهم وتعلمنا منهم، والذي يُطالع كتب حزب التحرير يجد هذا الأسلوب هو الأسلوب المعتمد لديه في النقد، فلا يلجأ إلى التجريح ولا إلى التهويش، وأما الدكتور فلم يفعل لا هذا ولا ذاك، بل نوّع أسلوب نقده حسب الآراء التي تعرّض لنقدها، فسلك فيها ثلاث طرق، ففي بعضها تعمد الكذب السافر حينما قال: (تجد من أشد دعاة الحزب حماساً من يترك الصلاة). وحينما قال: (ونصوا في كتاب العقوبات بأن من زنا بأحد محارمه المؤبدة يسجن عشر سنوات). وفي بعضها عرض الآراء مبتورة الأول والآخر وغير مستكملة الرأي، كالذي يقرأ (ويل للمصلين)، ولم يكمل (الذين هم عن صلاتهم ساهون)، ولم يورد ولا دليلاً واحداً من أدلة تلك الآراء، كالرأي القائل: (وعليه يصح أن يكون رئيس الدائرة وقائد الجيش والقائم مقام كافراً. ويحرم الانتفاع بروث الدوابّ وذرق الطيور ولا يجوز أن تطعم الدواب لا بل الكلاب في البيوت من لحوم الميتة، أما قبول الهدية والهبة من دولة كافرة فيجوز). 
وفي البعض الآخر أورد أقوال بعض الفقهاء وساق بعض الأدلة التي لا تصلح دليلاً على المسألة وأخذ فيما بعد يعلّق بأسلوب تهكّميّ، ظانّاً أنه أصاب في تعليقه، أو أنه أفلح في فهمه، ولم يورد أدلة الحزب، لأنه يدرك تماماً أنه لو أوردها لما ظل لتعليقاته وآرائه معنى.

لذلك رأيت بصفتي الشخصية أن أوضّح هذه الآراء والأحكام لمن فاتهم الاطلاع على النشرات التي ذكرها الدكتور والتي تتضمن الآراء والأحكام التي علّق عليها سواء أورد لها أدلة أم لم يورد، وسأبدأ بالأهم منها فالمهم.
أولاً


القتال مع العميل









توضيح الحكم الشرعي الذي يوجب على المسلمين أن يقاتلوا مع الحاكم ولو لتنفيذ خطة دولة كافرة ما دام قتالاً للكفار. ومناقشة تعليق الدكتور عليه ـ النص الكامل الذي كان محل التعليق ـ 
(سادساً: الجهاد فرض على المسلمين في جميع الأحوال حتى تقوم الساعة، فيجب أن ينهض المسلمون للجهاد تحت ظل الحاكم مهما كان حاله سواء أكان برا أم فاجراً يحكم بأحكام الإسلام أم يحكم بأحكام الكفر، مخلصاً للأمة يتصرف برأيه ورأي أمته أم عميلاً لدولة كافرة ففي جميع الأحوال يجب أن يقاتل المسلمون الكفار تحت ظل الحاكم، والدليل على ذلك الآيات والأحاديث. 
أما الآيات فكثيرة ومنها قوله تعالى: (فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة) وقوله تعالى: (وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والوالدان). 
وأما الأحاديث فعن أنس قال: ـ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والجهاد ماض منذ بعثني الله إلى أن يقاتل آخر أمتي الدجال لا يبطله جور جائر ولا عدل عادل"، وعن مكحول عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الجهاد واجب عليكم خلف كل مسلم براً كان أم فاجراً وإن عمل الكبائر " 
هذه الأدلة جاءت كلها مطلقة غير مقيدة، والمطبق يجري على إطلاقه ما لم يرد دليل التقييد، ولم يرد دليل يقيدها تحت راية الحاكم العادل دون الجائر أو الحاكم الصالح دون الحاكم الفاسق، أو الحاكم المخلص دون الحاكم العميل، بل جاءت مطلقة، وهذا يعني أن القتال فرض تحت راية أي حاكم مسلم. 
وهنا قد يرد سؤال وهو أن العميل قد يهيئ معركة مصطنعة مع الكفار لتنفيذ خطة لدولة كافرة، فهل في هذا الحال يجب القتال تحت راية ذلك العميل؟ والجواب على ذلك هو أنه إن كانت الخطة ليس فيها ضرب المسلمين ولا إيقاع أذي بهم، فالقتال واجب تحت راية ذلك الحاكم ولو كانت لتنفيذ خطة لدولة كافرة ما دام قتالاً للكفار، لأن أدلة الجهاد جاءت عامة غبر مقيدة، وتقييدها بأي حال من الحالات يحتاج إلى دليل من الكتاب أو السنة حتى يصلح لتقييد المطلق، ولم يأت دليل يقيد، والعقل لا يصلح لتقييد النص، لذلك كان القتال واجباً. 
أما إذا كانت تلك الخطة تضرب المسلمين وهي معمولة لهلاك المسلمين، فإنه حينئذ لا يقاتل تحت رايته بل يحرم القتال تحت راية ذلك الحاكم وذلك لأن ضرب المسلمين وإهلاكهم حرام، والقاعدة الشرعية (الوسيلة إلى الحرام حرام) سواء أكانت الوسيلة واجباً أو مندوباً أو مباحاً، فإنها تصير حراماً، ففي هذا الحال أوصل الواجب وهو القتال تحت راية الحاكم إلى حرام، فكان حراماً، فتطبق عليها القاعدة المذكورة، فكانت حرمة القتال في هذه الحالة ليست تقييداً للمطلق بل يبقى المطلق على إطلاقه، وإنما هي عمل بحكم آخر في حالة معينة وعلى هذا يظل الحكم الشرعي كما هو، والجهاد واجب تحت راية كل حاكم أيا كان ذلك الحاكم). 
انتهى النص. 
علق الدكتور صادق أمين على ثلاثة أفكار في هذا النص.

أولاً: ـ على قول الحزب بأن أدلة وجوب الجهاد مع الحاكم مطلقة غير مقيدة، فقال: " أن الناظر في الأدلة التي ساقها حزب التحرير يمكنه أن ينقض قولهم من خلال النصوص، فالقيد موجود في الآيات القرآنية السابقة التي ادعوا أنها مطلقة وهي قوله تعالى (في سبيل الله) فالآيات مقيدة وليست مطلقة. 
الثاني: ـ على قول الحزب بوجوب القتال مع العميل لتنفيذ خطة لدولة كافرة فقال: " 
1. نقول لحزب التحرير إذا كان القتال واجباً تحت الحاكم العميل تنفيذاً لخطة دولة كافرة، فهل يجب ـ فضلاً على الجواز ـ على المسلمين أن يقاتلوا مع اليهود إذا قاتل اليهود لاحتلال الحبشة؟ وهل يجوز أن تجند الأمة وتوضع طاقاتها للقتال مع أمريكا؟ في فيتنام أو للقتال مع الشيوعيين ضد أمريكا؟ أو للقتال مع الإنجليز ضد اليابان؟ 
2. يتبجح حزب التحرير بوعيه السياسي دائماً ويهاجم الحكام لأنهم أدوات طيعة بأيدي الكافر المستعمر فلماذا كل هذا العويل إذا كان يجب على الحاكم أم يخدم أغراض أمريكا أو انجلترا؟ بل يجب أن يضحي بأمته وأموالها وطاقاتها من أجل تحقيق أغراض أمريكا والفرنسيين، ولكن في غير العالم الإسلامي كما يقول حزب التحرير. 
3. إذا كان يجب على الأمة جميعها أن تهبّ لتنفيذ أغراض الكفار، فلماذا كان ولا يزال حزب التحرير يملأ الدنيا صراخاً وعويلاً لأن أفراد المنظمات يقاتلون تحت لواء خائن على حد زعم حزب التحرير؟

الثالث: يعلق على عدم إعمال القاعدة (الوسيلة إلى الحرام حرام) في الصور التي تخيّلها فيقول: "نقول لحزب التحرير أليس في قتال المسلمين مع الكفار ضرباً لهم وهلاكاً؟ ثم أليس تحقيق أهداف الكفر حراماً؟ يعمل المسلم لها فضلاً عن أن يبذل دمه وماله، وتوضع إمكانات الأمة والدولة لتحقيقها، فلماذا لا يعمل بالقاعدة هنا؟ ونقول: إن القتال مع الكفار وسيلة لتحقيق أهدافهم، والوسيلة إلى الحرام حرام؟



شرح الموضوع مع بيان الأخطاء


التي وقع فيها الدكتور


نودّ هنا أن نلفت النظر إلى قول الدكتور بأن النصوص الدالة على وجوب الجهاد بأنها مقيدة في سبيل الله، أي أن الجهاد يكون لرفع كلمة الله، نقول إن ذلك أمر مفروغ منه، ولا يخالفه أحد في ذلك، لورود النصوص المقيدة في ذلك، أي في الآيات والأحاديث، ولكن المقصود بإطلاق الأدلة هنا والتي وردت في كتاب حزب التحرير، هو أن الجهاد مع الحاكم في أي حالة من حالات الحاكم هو الذي لم يقيد. فقد أوجب الله القتال معه حال كونه باراً وحال كونه فاجراً، أي في جميع أحواله. ففي حال كونه عادلاً فيجب القتال معه، وفي حال كونه صالحاً يجب القتال معه، وفي حال كونه فاسقاً أو عميلاً يجب القتال معه، كل ذلك يندرج تحت حال كونه برا أو فاجراً، ولو امتنع الجهاد معه حال كونه فاسقاً أو عميلاً لامتنع الجهاد هذه الأيام في جميع البلدان الإسلامية، إذ أن الحكام لا يخرجون عن كونهم عملاء أو فسقه أو ظلمه، فالله الذي فرض الجهاد يعلم منذ الأزل أحوال الحكام، ولو لم يوجب القتال معهم حال كونهم فسقة أو ظلمة أو عملاء لما أخبر أن الجهاد ماض إلى أن يقاتل آخر أمة محمد صلى الله عليه وسلم الدجال لا يبطله جور جائر ولا عدل عادل فكون الحاكم عميلاً لا يبطل الجهاد، فلو كان نص الحديث هكذا: " والجهاد عادل مع كل أمير عادل أو صالح" لكان ذلك قيداً، ولما جاز الجهاد مع الحاكم الفاسق أو الظالم أو العميل، ولكن نص الحديث مطلق في البر والفاجر، وكلمة فاجر تعم أكثر من الفاسق والظالم والعميل. والعبرة الاستدلال بالنص وليس بالعواطف. أما الدكتور فقد زايله فهم النص الذي نقله حرفياً في كتابه، فبدلاً من أن يدقق النظر في النص ويفهم أن عدم تقييد الأدلة بحال من الأحوال إنما المقصود منه أحوال الحاكم من كونه باراً أو فاجراً، وليس المقصود منه تقييد الغاية التي من أجلها شرع الجهاد وهي إعلاء كلمة الله. 
هذه من حيث تعليقه على عدم تقييد أدلة الجهاد وأما من حيث تعليقه على وجوب القتال مع الحاكم العميل ولو كان يهيئ لمعركة مصطنعة مع الكفار تنفيذاً لخطة دولة كافرة، فقد علق على الحالة التي أوجب الحزب فيها الجهاد مع الحاكم العميل، ولم يعلق على الحالة التي حرم لحزب فيها القتال تحت راية ذلك الحاكم، وكان الحزب قد قال في جوابه على السؤال، إذا كانت الخطة ليس فيها ضرب المسلمين ولا إيقاع الأذى بهم، فالقتال واجب تحت راية ذلك الأمير العميل ما دام قتالاً للكفار، أما إذا كانت الخطة معمولة لضرب المسلمين فيحرم القتال تحت رايته. ولكن الدكتور تصور للمعركة المصطنعة التي أوجب الحزب الجهاد فيها مع الحاكم واقعاً غير واقعها، فلم يكلف نفسه البحث عن حوادث حصلت في الواقع فعلاً، بل أخذ يحلق في الخيال فسأل مستنكراً وموبخاً فقال: فهل يجب ـ فضلاً عن الجوازـ على المسلمين أن يقاتلوا مع اليهود إذا قاتل اليهود لاحتلال الحبشة؟ وهل يجوز أن تجند الأمة وتوضع طاقاتها للقتال مع أمريكا في فيتنام؟ فمن أين فهم هذا الفهم وهو أن يقاتل المسلمون جنباً إلى جنب مع اليهود والأمريكان وغيرهم من الكفار لعله فهم ذلك من صيغة السؤال التي هي " قد يهيئ العميل معركة مصطنعة مع العدو" إن كان قد فهم ذلك من هذا النص، نقول له: إن النص يعني أن يصطنع العميل معركة بين المسلمين من جهة والكفار من الجهة الأخرى أي أن يقاتل المسلمون الكفار. وإذا لم يفهمه من صيغة السؤال فهو متقول على حزب التحرير لأن الحزب لم يقل ذلك، بل قال صراحة في نهاية جوابه على السؤال (ما دام قتالاً للكفار) أي ما دام المسلمون يقاتلون مع العميل كفاراً، ولم يقل يقاتلون مع الكفار كفاراً إذ أنه لا قى هذه الصورة ولا في غيرها يجوز للمسلمين أن يقاتلوا إلى جانب الكفار كفاراً، ولا يجوز لهم أن يقبلوا كفاراً ـ لهم كيانهم ورايتهم ـ أن يقاتلوا معهم، فكيف يقاتلون هم مع اليهود أو الأمريكان أو الشيوعيين أو غيرهم. ولكن الدكتور بهذا الفهم يريد أن يوهم قراء كتابه وطلبة الجامعة أن حزب التحرير يقول ذلك. 
ثم يعلق الدكتور فيكرر أسئلته التي تعبر عن عدم الرضا فيقول: إذا كان يجب على الأمة جميعها أن تهب إلى تنفيذ أغراض الكفار، فلماذا ولا يزال حزب التحرير يملأ الدنيا صراخاً وعويلاً لأن أفراد المنظمات يقاتلون تحت لواء خائن على حد زعم حزب التحرير؟ 
يريد أن يوهم قراء كتابه أن حزب التحرير يوجب على الأمة أن تهب لتنفيذ أغراض الكفار وأن يوهم طلا ب الجامعة أن الحزب يحمل لواء العداء لأفراد المنظمات الفدائية، وليت هذا الحريص على الفدائيين لو أنه وجه سؤاله التوبيخي هذا للذين إذا نجا الفدائي من مطاردة اليهود ولاذ بأرضهم قتلوه برصاصهم. 
إن منطق سؤال الدكتور يفيد أنه يعتبر زعيم أية منظمة كرئيس أية دولة ولا فرق بينهما، فبما أن القتال واجب مع الحاكم، فكذلك هو واجب مع زعيم المنظمة، فقياسه زعيم المنظمة على الحاكم قياس مع الفاروق، وهذا أن دل على شيء يدل على عدم وعي الدكتور وعدم معرفته الفرق بين الواقعين. فالحاكم واقعه واقع الأمير الذي أوجبت النصوص طاعته والقتال معه، أما زعيم المنظمة فليس كذلك، لأن الأمير واجب الطاعة، فهو الذي يرعى شؤون الناس في بلاده وينفذ فيهم الأحكام ويكلفهم بما عليهم من واجبات ويعطيهم مالهم من حقوق فهو الحاكم الفعلي، وأما زعيم أية منظمة فلا يملك رعاية الشؤون ولا ينفذ في الرعية الأحكام، فهو ليس حاكماً، فلم توجب النصوص طاعته ولا القتال معه، وهو إذا كان مخلصاً يكون القتال معه مندوباً لا واجباً، لأن قتاله للعدو من نوع القتال الفردي، والقتال الفردي مندوب، أما إذا كان خائناً فلا يجوز لمن يعرف خيانته أن يقاتل معه، بخلاف الحاكم فإن النصوص تأمر بالقتال معه برا كان أو فاجراً. 
وأما تعليقه على عدم أعمال القاعدة " الوسيلة إلى الحرام حرام" في الصور التي تخيلها والتي عبر عنها بسؤاله التالي: أليس في قتال المسلمين مع الكفار ضرباً لهم وإهلاكا؟ ويقصد بسؤاله اشتراك المسلمين مع الكفار في قتال كفار آخرين، جريا مع فهمه المغلوط السابق حينما قال: هل يجب على المسلمين أن يقاتلوا مع الأمريكان في فيتنام؟ أو مع اليهود في الحبشة؟. نكرر القول للدكتور أن هذه الصورة غير واردة وفهمه لها من النص خطأ محض، بل إيراده لهذه الأمثلة لا يراد به وجه الله.
أما ما هي الصورة الصحيحة لواقع المعركة التي يهيئ لها العميل لتنفيذ خطة دولة كافرة ويج بعلى المسلمين أن يجاهدوا معه؟ وما هي الصور الصحيحة لواقع المعركة التي يخطط لها العميل ويحرم على المسلمين أن يجاهدوا تحت لوائه وكما حدثت لاكما تصورها الدكتور فهي كما يلي:
  • لقد هيأ محمد أنور السادات سنة 1973 المعركة مع اليهود لتنفيذ خطة أمريكية تقتضي فتح قناة السويس أما الملاحة الدولية وخاصة البواخر الأمريكية الضخمة، ومنها ناقلات البترول، ولذلك فبمجرد أن استعاد السادات القناة أخذ ينادي بالسلام في الوقت الذي كانت فيه إسرائيل مهزوزة، ولم يبقى لديها سلاح تقاتل به، فدل على أن المعركة كانت مصطنعة باتفاق بينه وبين أمريكا، ولما لم يكن في هذه الخطة أضرار بالمسلمين ولا إلحاق الأذى بهم لم يعمل بالقاعدة(الوسيلة إلى الحرام حرام) إذ ليس هذا مجال استعمالها، وظل العمل بالنصوص الموجبة للجهاد مع الحاكم، لأن واقع المعركة أنها جهاد.
  • لما تقدم جمال عبد الناصر عام 1967م بجيشه لمنع اليهود من مهاجمة سوريا، استغلها الملك حسين وألح على جمال أن يشترك الأردن في القتال وكان حسين في حينها يريد أن ينفذ مخططاً إنجليزيا يقتضي تسليم الضفة الغربية لليهود من خلال معركة صورية، فعرف ذلك بعض ضباط الجيش الأردني فسأل أحدهم حزب التحرير: أيجوز لنا أن لا نقاتل ونترك اليهود يحتلون ديارنا بحجة أن الحاكم عميل يريد أن ينفذ مخططاً استعمارياً، أم أنه يجب علينا أن نقاتل عدونا ونمنعه من دخول بلادنا ولو تحت راية هذا العميل؟ فكان جواب الحزب أن يجب عليهم قتال عدوهم ولو تحت راية ذلك العميل الذي يسعى لتنفيذ مخطط لدولة كافرة ماداموا يقاتلون كفاراً.
فهل كان يجب على المسلمين أن يجاهدوا العدو، ويمنعوه من احتلال البلاد، أو انه كان يحرم عليهم ذلك بحجة أن الحاكم يريد تنفيذ مخطط لدولة كافرة؟ ؟ هل يريد الدكتور أن يعمل بالقاعدة" الوسيلة إلى الحرام حرام" فيمنع المسلمين من قتال عدوهم بحجة الحاكم عميل؟



هاتان صورتان للقتال الذي يجب على المسلمين أن يقاتلوا فيهما ولو مع العميل الذي يهيئ لمعركة مصطنعة مع العدو لتنفيذ خطة دولة كافرة. 

وأما الصورة الثانية والتي تكون الخطة فيها معمولة لإهلاك المسلمين ويحرم على المسلمين أن يقاتلوا تحت لوائه فهي كما يلي: ـ 
1. هيأ كل من الملك حسين وياسر عرفات عام 1970م لمعركة بين الجيش الأردني وأفراد المنظمات من أجل تنفيذ مخطط إنجليزي يقتضي تسليم الحكم في الأردن للفدائيين لتتدخل إسرائيل فتحتل الأردن وتفرض عليه الحل الذي تريد، ولكن إنذار أمريكا لإسرائيل بعدم التدخل، وتحرك أسطولها إلى ساحل فلسطين حال دون تدخل إسرائيل ودون تنفيذ المخطط، فخشي الإنجليز أنه إذا لم تتدخل إسرائيل فسيخسرون الملك حسين ولا ينفذ مخططهم فسارعوا إلى تهدئة الأمور، وأوعزوا إلى سوريا أن تنسحب وتتوقف عن التدخل ليظل الملك حسين حاكماً في مثل هذه الخطة التي احرق شرها الأخضر واليابس كان يحرم على المسلمين أن يقاتلوا فيها تحت راية ذلك العميل. 
2. ارسلت تركيا كتيبة من جيشها في الخمسينات إلى كوريا لحمايتها من الشيوعيين، وأرسل كل من الحسن الثاني ملك المغرب جزءاً من قواته، ومحمد انور السادات بعض طياريه إلى زائير تنفيذاً لمخطط أمريكي لحماية زائير من الاشتراكيين وذلك في السبعينات. في مثل هذه الصور يعمل بالقاعدة (الوسيلة إلى الحرام حرام). 
هذه الصور هي الصور الحقيقية التي حصلت بالفعل فحزب التحرير لا يعيش في الخيال ولا يستنبط أحكاماً صورية، وإنما يستنبط أحكاماً عملية لحوادث حصلت، ففي هذه الحالات يحرم القتال مع الحاكم العميل عملا بالقاعدة الآنفة الذكر، لأن القتال في هذه الحالات لا يعتبر جهاداً، فالغرض منه مكشوف للمقاتلين فهو إما مسلم يقاتل مسلماً، وإما مسلماً لا يقاتل إلا ليخدم كافراً. 
أما في هذه الصورة الأولى فالقتال جهاد، لأن المسلم يقاتل عدوا له، إما ليطرده من بلاده كما في خطة السادات، وأما ليمنعه من دخول بلاده كما في خطة حسين لتسليم الضفة الغربية. 
أما كون القتال جهاداً أو غير جهاد، فذلك لا يتوقف على غرض الحاكم من القتال وإنما يتوقف على نية المقاتلين، وعلى واقع القتال، فقد يكون واقع القتال أنه قتال للكفار كما حصل في فتح مصر، وقد يكون واقع القتال أنه لدفع العدو المهاجم كما حصل في معركة أحد، وقد يكون واقع القتال أنه لإخراج العدو من بلاد المسلمين كما حصل في معركة حطين ففي فتح مصر كان الغرض من القتال هو نشر الإسلام فكان القتال جهاداً، وفي معركة أحد كان الغرض من القتال هو دفع الأذى عن الإسلام والمسلمين، فكان جهاداً، وفي معركة حطين كان الغرض من القتال هو تحقيق نفع للإسلام والمسلمين بتطهير بلادهم من الصليبيين فكان القتال جهاداً، 
هذا هو واقع القتال الذي يكون جهاداً، فإما أن يكون لنشر الإسلام، وإما أن يكون لنفع الإسلام والمسلمين، أو يراد به تحقيق نفع للإسلام والمسلمين، وحينما يكون الحاكم عميلاً لا يُنظر إلى غرضه من القتال، لأنه غرضه قد لا يكون مكشوفاً، وإنما ينظر إلى واقع القتال، فإن كان القتال قتالاً للكفار وفيه تحقيق نفع للإسلام أو المسلمين، كنشر الإسلام أو إعادة تطبيقه، وحماية بلاد المسلمين أو تحريرها يكون جهاداً طالما أن المقاتلين ينوون قتال عدوهم لأن الجهاد عبادة ويحتاج إلى النية، وإلا لكان باب الجهاد مغلقاً هذه الأيام، لأن الحكام جميعاً لا يقاتلون لرفع كلمة الله. ولهذا فليس كل قتال جهاداً، فقد يكون القتال جهاداً كما هو حادث الآن في أفغانستان، وقد لا يكون القتال جهاداً كما هو حادث الآن بين المغرب وجبهة البوليساريو، أو بين العراق وإيران. 
والسؤال الآن، ما هو الحد الفاصل بين الجهاد والقتال؟ 
الجهاد هو بذل الوسع في القتال في سبيل الله مباشرة أو معاونة بمال أو رأي أو تكثير سواد أو.. غير ذلك. وبالمقارنة بين الجهاد بهذا المعنى وبين القتال لا يستبين الفرق بينهما، وحتى يستبين الفرق يجب أ، يكون السؤال بهذه الصيغة: 
ما هو الحد الفاصل بين الجهاد بالسلاح ومجرد القتال بالسلاح؟ 
القتال أعمّ من الجهاد إذ إن كل جهاد بالسلاح قتال، وليس كل قتال بالسلاح جهاداً، والجهاد عبادة من العبادات فيحتاج إلى النية، وهو قتال للكفار، ولذلك فالقتال بالسلاح إذا كان قتالاً للكفار ومصحوباً بنية الجهاد، أي بنيّة إرادة النفع للإسلام والمسلمين كان جهاداً، فإذا لم يكن مراداً منه تحقيق نفع للإسلام وللمسلمين لا يكون جهاداً، ولو كان قتالاً للكفار كما هو الحال في إرسال القوات المغربية إلى زائير، وكذلك لو كان المراد منه نفع الإسلام والمسلمين ولكنه ليس قتالاً للكفارلا يكون جهاداً، كما لو وجد في المجتمع فئات مسلحة متناحرة أودت بحياة كثير من المسلمين، فاضطرت الدولة لمحاربتها وإخضاعها حفظاً لدماء المسلمين. هذا هو الحد الفاصل بين الجهاد بالسلاح ومجرد القتال بالسلاح، وبذلك صار الحكم على القتال من كونه جهاداً أو غير جهاد سهلاً وصارت معرفة القتال مع الحاكم – متى يكون جهاداً ومتى لا يكون – سهلة أيضاً. فالقتال مع الحاكم –وإن كان عميلاً، وإن كان لتنفيذ خطة دولة كافرة- ما دام جهاداً يكون فرضاً، بدلالة النصوص التي أوجبت الجهاد معه في جميع أحواله براً كان أو فاجراً. فكون القتال معه جهاداً، يعني أن فيه نفعاً للمسلمين وللإسلام أو مراداً به النفع، وإلا لما سمي جهاداً، ولذلك تعتبر كل صور القتال التي تخيلها الدكتور وعلق عليها ليست جهاداً، ولا هي المقصودة من وجوب الجهاد مع الحاكم العميل، بل هي من الصور التي تندرج تحت الخطة الثانية التي فيها هلاك المسلمين وإيقاع الضرر بهم والتي قال حزب التحرير بحرمة القتال فيها تحت راية ذلك الحاكم، ولم يأت تحريمها من أدلة الجهاد فهي ليست جهاداً، وإن كانت قتالاً للكفار لأنه لا نفع فيها للإسلام والمسلمين ولا يراد بها النفع فهي واقعة تحت بحث "حكم القتال مع الحاكم حينما لا يكون القتال جهاداً".








حكم القتال مع الحاكم حينما لا يكون القتال جهاداً





الحاكم المسلم واجب الطاعة، فطاعته فرض على المسلمين ولو ظلم ولو أكل الحقوق ما لم يأمر بمعصية، فقد جاء في الحديث الشريف قوله صلى الله عليه وسلم: (من رأى من أميره شيئاً فكرهه فليصبر عليه فإنه ليس أحد يفارق الجماعة شبراً فيموت عليه إلا مات ميتة جاهلية) وعن حذيفة بن اليمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (سيكون بعدي أئمة لا يهتدون بهديي ولا يستنون بسنتي وسيقوم فيكم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان أنس قال قلت كيف أصنع يا رسول الله؟ أن أدركت ذلك؟ قال تسمع وتطيع وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع) ثم أستثنى شيئاً واحداً من والطاعة وهو الأمر بالمعصية فقال عليه الصلاة والسلام (السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب أو كره ما لم يؤمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة) والمر بالمعصية هو أن يأمرك أن تفعل المعصية لا أن يفعل هو المعصية وعلى أن يكون أمر المأمور به حراماً في نظره هو. وبناءً على ذلك تكون طاعة الحاكم إذا أمر بالقتال واجبة، ولهذا إذا أمر بالقتال ينظر: فإن كان الأمر المأمور به ليس حراماً في نظره هو باعتباره مسلماً وجب القتال معه. وللقتال الذي ليس جهاداً حالتان

إحداهما: ـ حين يكون قتالاً للمسلمين، سواء أكان فيه نفع للإسلام وللمسلمين أم لم يكن. 
وثانيها: ـ حين يكون قتالاً للكفار ولا نفع فيه للمسلمين، بل قد يلحق بهم الضرر. 
أما قتال المسلمين فيما بينهم فعلى وجهين: 
الأول: ـ قتال البغاة
وهم الذين يخرجون على الحاكم ويشقون عصا الطاعة على الدولة ويشهرون في وجهها السلاح ويعلنون حرباً عليها، ولا فرق في ذلك بين أن يخرجوا على خليفة عادل أو خليفة ظالم، وسواء خرجوا على تأويل في الدين أو أرادوا لأنفسهم دنيا، ويجب على الحاكم أن يسألهم قبل أن يقاتلهم ما ينقمون منه، فإن ذكروا مظلمة أزالها، وأن أدعوا شبهة كشفها، لأن الإسلام أمر المسلمين أن يشهروا السيف في وجه الحاكم إذا رأوا كفراً بواحاً عندهم فيه من الله برهان أو لم يطبق نظام الإسلام، فإن كان طلبهم حقاً ولم يجبهم إليه، وكان طلبهم مما يقاتل الحاكم عليه كإتيانه بالكفر البواح، أو عدم تطبيقه أحكام الإسلام فيحرم حينئذ القتال معه، لأن القتال معه يكون صداً عن سبيل الله، والله تعالى يقول: (فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجاً) فقتال المسلمين حرام والذين هم ثائرون عليه مسلمون، وثورتهم واجبة فيحرم قتاله لهم. 
أما لو أزال مظلمتهم، أو كشف الشبه لهم وظلوا ثائرين عليه، فيجب حينئذِ على المسلمين أن يطيعوه وأن يقاتلوا معه. 
الثاني: ـ قطاع الطرق 
إذا شق هؤلاء عصا الطاعة على الدولة وشهروا السلاح في وجهها فنهبوا أو نبهوا وقتلوا، فهؤلاء يقاتلون، فيجب على المسلمين أن يقاتلوا مع الحاكم لقول الله تعالى: (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض)
وأما قتال المسلمين للكفار الذي لا نفع فيه للمسلمين بل قد يلحق بهم الضرر فينظر:





فإن كان يراد به ضرر المسلمين فيحرم القتال ويحرم على المسلمين أن يقاتلوا معه لأنه حينئذ يكون وسيلة للإضرار بالمسلمين، والإضرار بالمسلمين حرام، فيحرم القتال عملاً بالقاعدة (الوسيلة إلى الحرام حرام) كما لو أرسل حاكم لواء من ألوية جيشه إلى بلد مثل كوريا أو بلد مثل فيتنام ليتخلص من ذلك اللواء بحجة الاستجابة لطلب هيئة المم المتحدة.



أما إن لم يكن فيه ضرر للمسلمين فينظر:



فإن كان مما يرتكب به المسلمون معصية كما لو أمرهم أن يميلوا على قرية نصرانية فيقتلوا أهلها بغير مبرر شرعي، فيحرم عليهم أن يقاتلوا معه عملاً بالحديث (فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة). 

وإن لم يكن مما يرتكب به المسلمون معصية فعليهم أن يقاتلوا معه عملاً بوجوب طاعته وإن كان هو في ذلك عاصياً.



ثانياً




القُبْلــــــة









كل مسألة اجتهادية يمكن أن يحصل فيها خلاف بين المجتهدين، ولا يرى الواعون على الاجتهاد حرجا في ذلك، ولا ينكرونه، ولكن الذين يجهلون الاجتهاد والمتعصبين لغير الحق يتخذون من الاختلاف هذا ذريعة للنيل من المجتهدين. 

كثيراً ما يتبنى المجتهدون قواعد أصولية تختلف القاعدة عند أحدهم عنها عند غيره، ولكن غالباً ما تكون الأحكام المستنبطة عند الاثنين متوافقة وقد تختلف قليلاً في بعض فروع الأحكام. 
تبنى بعض المجتهدين القاعدة الشرعية (كل أمر للوجوب) فاعتبروا كل شيء مأمور به أي ـ بفعله ـ في النصوص التشريعية واجباً، ما لم ترد قرينة تصرف الأمر عن الوجوب إلى الندب أو الإباحة وتبنوا القاعدة (كل نهي للتحريم) ما لم ترد قرينة تصرفه عن التحريم إلى الكراهة. وتبنى غيرهم القاعدة (كل أمر للطلب) ما لم ترد قرينة تعين الشيء المطلوب في النصوص التشريعية للوجوب أو للندب أو للإباحة، وتبنوا القاعدة (كل نهي للترك) ما لم توجد قرينة تعين كونه للتحريم أو الكراهة، والأمثلة على ذلك كثيرة. 
يقول الله تعالى: (وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة)[1] فهذه الآية عند الفريق الأول تفيد وجوب إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة لمجرد الأمر: وأقيموا وآتوا، وعند الفريق الثاني لا تفيد إلا مجرد الطلب ولكن هناك أكثر من قرينة تعين كونها للوجوب منها قوله تعالى: (فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم)[2] ومنها قوله عليه الصلاة والسلام: (ولا تتداووا بحرام) فالنهي في الحديث يفيد عند الفريق الأول تحريم التداوي بما هو محرم، وعند الفريق الثاني لا يفيد إلا مجرد طلب الترك حتى ترد قرينة تعين كونه للتحريم أو الكراهة، وهناك قرينة وهي ما روى عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص لعبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام في الحرير لحكة كانت به، فصرف التحريم عند الفريق الأول إلى الكراهة، وعينت طلب الترك عند الفريق الثاني للكراهة. 
وأحياناً يختلف المجتهدون في تحقيق مناط الشيء الذي يراد إعطاؤه حكماً شرعياً، فبعضهم يدرجه تحت حكم مستنبط من دليل عام، وبعضهم يدرجه تحت حكم مستنبط من دليل عام آخر، يختلف حكم الأول عن حكم الثاني، فيظهر التناقض لاختلاف أفهام المجتهدين، وهذا أمر عادي أيضاً، وذلك كتحريم الدخان عند فريق وإباحته عند فريق آخر، فالفريق الذي يحرم الدخان يعطيه حكم الخبائث، لأنه يرى أن الدخان من الخبائث، ومعيار هذا الفريق للخبائث معيار عقلي، أي ما يعتبره العقل خبيثاً فهو خبيث وما يعتبره طيباً فهو طيب، ولذلك يعتبرونه حراماً لقول الله تعالى: (ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث)[3]. أما الفريق الثاني الذي يبيح الدخان فيعطيه حكم الإباحة استنادا إلى القاعدة (الأصل في الأشياء الإباحة ما لم يرد دليل التحريم) ولا يعطيه حكماً خاصاً به لعدم ورود نص خاص به، ولا يقيسه على شيء من المطعومات لأنها لا تعلل، والقياس لا يكون إلا فيما يلتمس له علة، ولا يلحقه بالخبائث لأن معياره للخبائث معيار شرعي، والشرع لا يعتبر الشيء خبيثاً إلا إذا كان محرماً بنص خاص به، ويستدلون برأيهم في إباحة الدخان بقول الله تعالى: (ألم تر أن الله سخر لكم ما في الأرض) ومعنى تسخير الله جميع ما في الأرض للإنسان، هو إباحته لكل ما في الأرض من حيوان وشجر وحجر، كشجرة الزيتون وشجرة الدخان وحجر الرخام والحجر الناري والبقر والخنزير وغير ذلك فكل هذه الأفراد كانت تندرج تحت حكم الإباحة، ولا يصبح واحدها حراماً إلا إذا ورد نص خاص به يحرمه أو نص عام يشمله ويحرمه، ثم نزل قوله تعالى:(حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير) فصارت هذه الأشياء الثلاثة مستثناة من حكم الإباحة واكتسبت حكم التحريم بالنص على تحريمها، ثم سألوا الرسول صلى الله عليه وسلم عن تحريم الجاهلين للبحيرة والسائبة والوصيلة والحام، فتلى عليهم قول الله تعالى: (قل لا أجد فيما أوحى إلي محرماً على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دماً مسفوحاً أو لحم خنزير)[4]فظل التحريم مقتصراً على هذه الأشياء الثلاثة. 
وأما ما سألوا عنه فليس بحرام لأن الأصل فيه الإباحة ولم يرد فيه نص يحرمه، وإنما الذين حرموه هم الجاهليون، فرد الله عليهم بقوله تعالى: (ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حامٍ ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب وأكثرهم لا يعقلون)[5]، ولما انتقل المسلمون إلى المدينة وتتالى نزول الوحي نزلت الآيات تستثني أفراداً أخرى من حكم الإباحة، فتخرجها من الطيبات وتلحقها بالخبائث المحرمة، حيث يقول الله تعالى: (حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير، وما أهلّ لغير الله به، والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبُع إلا ما ذكّيتم، وما ذبح على النُصُب، وأن تستقسموا بالأزلام)[6]، ثم حرم الرسول كل ذي ناب من السباع، وكل ذي مخلب من الطير، وحرم لحوم الحمر الأهلية، ولم يرد ذكر نوع من النباتات يندرج تحتها شجرة الدخان، فظل الدخان على أصل الإباحة، وعلى هذه الآية بني الشافعي تحليل كل مسكوت عنه أخذاً من حصرها تحريم هذه الأشياء إلا ما دلّ عليه الدليل. وأما اعتبار الدخان من الخبائث فغير وارد عندهم، لأن معنى الطيبات ومعنى الخبائث في الآيتين: (لا يستوي الخبيث والطيب)[7]، و (يحلّ لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث)[8] معناها الحلال والحرام، وفسّر الإمام الحسنُ الخبيث والطيب بالحلال والحرام، وقال الإمام أبو حنيفة في مغتصب الأرض إذا بنى في البقعة المغصوبة أو غرس فإنه يلزم خلع ذلك البناء والغرس لأنه خبيث، ولا معنى لخبث الغرس والبناء إلا الحرام، وقال الإمام مالك: معنى الطيبات المحللات، فوصف المحللات بالطيب لأنها صفة تتضمن مدحاً وتشريفاً. وقال الإمام الشافعي: اللفظة التي هي (الطيبات) مختصة فيما حلله الشرع، وترى لفظة (الخبائث) لفظاً عاماً فيما حرمه [في الأصل حلله] الشرع، في المحرمات بالشرع، ولذلك فالدخان حتى نعطيه وصف الخبيث لا بد وأن يكون تحريمه سابقاً لوصفه، ولا يكون الشيء حراماً إلا إذا ورد نص بتحريمه، ولذلك لا يوصف بأنه خبيث، ولا يجوز إلحاقه بالخبائث بل يظل على حكم الأصل وهو الإباحة، ولا يخرج عن هذا الأصل إلا إذا أوصل شربه إلى ضرر، فحينئذ يصبح شربه حراماً لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا ضرر ولا ضرار"، وعملاً بالقاعدة الشرعية التي تنص على أن (الفرد من أفراد المباح إذا أوصل إلى ضرر يمنع). 
وبعض المجتهدين يتبنون قاعدة (مآلات الأفعال)، ويبنون عليها قواعد كثيرة وأحكاماً جمة، ويعتبرونها أصلاً من أصول الأحكام والاستدلال فيقولون: إن النظر في مآلات الأفعال معتبر مقصود شرعاً. ويقولون بأن المجتهد لا يحكم على فعل من أفعال المكلفين بالإقدام أو الإحجام إلا بعد نظره إلى ما يؤول إليه ذلك الفعل، فبنوا على هذه القاعدة قاعدة (سدّ الذرائع)، وقاعدة (رفع الحرج)، وقاعدة (الحيل)، وقاعدة (المصالح المرسلة)، وقاعدة (الضرورات تبيح المحظورات). وانتشرت نتيجة لقاعدة سد الذرائع فكرة المظنة. 
وبعض المجتهدين لم يأخذوا بقاعدة مآلات الأفعال إلا الأفعال التي ورد فيها نص خاص بها يخبر أنه سينشأ عنها أمر محرم، فيحرمون الفعل وإن كان في أصله مباحاً. ويبنون عليه قاعدة (الوسيلة إلى الحرام حرام)، ويعتبرون ما عدا ذلك من القواعد خطأ ينشأ عنها تحليل الحرام وتحريم الحلال، لأنها مبنية على ظنّ فاسد. 
ومن الأمثلة على القاعدة الأولى قاعدة مآلات الأفعال هو أن المتعصبين لحجاب المرأة بستر وجهها يقولون: إن وجه المرأة وإن أجاز الشرع كشفه وإخراجه من العورة بقوله تعالى: (ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها)[9]، وبقوله عليه الصلاة والسلام: "إن الجارية إذا حاضت لم يصلح أي يُرى منها إلا وجهها ويداها إلا المفصل"[10]، قالوا: إن كشف الوجه يؤول إلى خوف الفتنة، فخوف الفتنة هو ما يؤول إليه كشف الوجه، فحرم كشف الوجه وإن كانت الأدلة تُحلّ كشفه، وذلك من باب سدّ الذرائع، أو من باب المظنة، أي مظنة أن يؤول كشف الوجه إلى خوف الفتنة. 
ومن الأمثلة أيضاً تحريم النظر إلى الصورة، أي صورة المرأة العارية عند من يحرمه، لأن النظر إلى صورة المرأة يؤول إلى خوف الفتنة، فخوف الفتنة هو ما يؤول إليه النظر إلى صورة المرأة، فحرم النظر إلى صورة المرأة وإن كان النظر في أصله مباحاً خوفاً من الافتتان بصاحبة الصورة أو بأي امرأة أخرى. 
والذين لا يأخذون بقاعدة مآلات الأفعال إلا فيما ورد فيه نص ينكرون هذا الاستدلال، ويقولون: إن المظنة أو قاعدة سد الذرائع لا تصلح دليلاً على الأحكام، وإنما الدليل هو ما جاء به الوحي، والذي جاء به الوحي هو إباحة النظر مطلقاً، ثم قيّده بأن منعه من النظر إلى عورة المرأة وهو ماعدا وجهها وكفيها، ثم منعه من النظر بشهوة إلى وجه المرأة وإن لم يكن من العورة، ولم يمنعه من النظر إلى صورة المرأة إلا إذا كانت صورة لامرأة معروفة، فتضر حينئذ بها لأنها تصفها، قياساً على منع الرسول صلى الله عليه وسلم أن تصف المرأة جارتها لزوجها لأن ذلك يغريه به، وذلك لما أخرجه البخاري في صحيحه عن عبد الله بن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تباشر المرأة المرأة فتنعتها لزوجها كأنه ينظر إليها)، ولم يرد المنع معللاً بعلة حتى يُقاس النظر إلى الصورة على النظر إلى المرأة إلا إذا كانت المرأة معروفة. 
وأما الفعل الذي يندرج تحت قاعدة مآلات الأفعال ويكون حراماً لأنه يؤول إلى الحرام فهو الفعل الذي ورد به الوحي كقوله تعالى: (ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدواً بغير علم)[11] فسب الكفار يؤدي إلى سب الله، وسب الله حرام فيكون سب الكفار المؤدي إلى سب الله حراماً، فالذي أخبر أن نتيجة هذا الفعل تؤدي إلى الحرام هو الوحي فأي فعل يرد به الوحي ويخبر أنه يوصل إلى الحرام يحرم ذلك الفعل. أما إذا كان الفعل أصله مباحاً ولم يخبرنا الوحي بأنه سيؤدي إلى الحرام فلا يحرم ذلك الفعل، ولو غلب على ظننا أنه سيؤدي إلى الحرام لأن تحريمنا له يكون بغير دليل. 
يعلق من سمى نفسه الدكتور صادق أمين على ما جاء في نشرة جواب سؤال لأحد شباب حزب التحرير يقول في سؤاله: 
ما حكم القبلة بشهوة مع الدليل؟ فقد فهم من مجموع الأجوبة المذكورة أن القبلة بشهوة مباحة وليست حراماً، فكيف يتصور أن أحداً يقبل شخصاً آخر رجلاً أو امرأة بشهوة؟ ثم كيف يعرف ان رجلاً إذا قبل امرأة أن هذه القبلة بشهوة حتى يترتب على ذلك عقوبة من قبل الدولة؟ وهل تعتبر القبلة بشهوة من العمال الجبلية التي ورد في أصلها حكم الإباحة.





هذه هي صيغ الأسئلة كما وردت، ولكن الدكتور لم يكتب الأسئلة كما وردت، وإنما كتب واحداً منها وجملاً قليلة من الجواب ونسق بينها بحيث تعطى صورة مشوهة ومثيرة، ولذلك سأنقل الجواب كاملاً مع شرح ما يحتاج إلى شرح وضرب أمثلة ليستبين الحق لدى المهتمين به، ولكن قبل الإجابة على هذه الأسئلة سأبحث ما يلي:

  • عموم الأدلة، أي الأدلة العامة التي يندرج تحتها حكم القبلة، تلك الأدلة التي تمنى الدكتور لو أن حزب التحرير أورد ولو واحداً منها.
  • لفت النظر إلى أمرين: الأول إباحة التقبيل في التحية، من حيث هي تحية، والثاني تحريم التقبيل المعين.
  • الحض على إدراك أمرين أيضاً: الأول كون الدليل هو ما جاء به الوحي، والثاني كون الشيء مظنة ليس بدليل.

البحــــث










هناك ما يسمى بعموم الأدلة التي تبيح مطلق النظر ومطلق السمع، ومطلق المشي، ومطلق الجلوس، وتحريك الأعضاء وغير ذلك من الأفعال. يقول الله تعالى: (وهو الذي أنشأكم وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلاً ما تشكرون) ويقول تعالى: (قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة الذين من قبل) ويقول تعالى: (فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإيه النشور)ويقول تعالى: (ألم نجعل له عينين ولساناً وشفتين) فهو ينظر بعينه إلى كل شيء إلا ما ورد الدليل على منعه من النظر إليه، ويسمع كل ما يمكن أن يسمعه إلا ما منع من سماعه، ويمشي في الأرض أينما تيسر له المشي، ويحرك شفتيه ولسانه كيفما يريد ما لم يرد دليل يمنعه، لأن الله تعالى لما حباه هذه النعمة أباح له أن يتصرف بها كما يشاء. 

هذه الأعمال كان الناس يعملونها قبل نزول الوحي، وكانوا يعملون أعمالاً كثيرة وغيرها ما لم يرد دليل يدل عليها بعينها لأنهيا ولا أمراً، بل سكت عنها وما سكت الوحي عنه والناس يعملونه فهو من المباحات لما روى ثعلبه عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها وحد حدوداً فلا تعتدوها وسكت عن أشياء رحمة بكم غير نسيان فلا تسألوا عنها). وما روى أبو الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما أحل الله في كتابه فهو حلال وما حرم فهو حرام وما سكت عنه فهو عفو فاقبلوا من الله عافيته فإن الله لم يكن لينسى شيئاً) وتلا (وما كان ربك نسيًا)[1] فجلوس الإنسان متوركاً الأرض، أو محتبياً أو مضطجعا على أحد جنبيه أو مسرعاً في مشيه أو متباطئا، أو يمشي قفزاً على رجل واحدة أو على اثنتين، أو يحرث الأرض على دوابه أو بآلاته، أو يحصد زرعه بآلة أو بمنجل، أو يأكل طعامه بيده أو بالملعقة، أو يطهيه على نار حطب أو نار غاز أو كاز، أو يخاطب الناس بالشعر أو النثر كل ذلك لم ترد فيه نصوص معينة، ولو كان كل فعل يحتاج إلى نص لاحتجنا إلى ملايين الصفحات من القرآن والحديث، ولكن قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (وما سكت عنه فهو مما عفا لكم) أغنانا عن ذلك فما لك يكن فيه نص خاص به فهو مما عفا الله لنا، أي جعل لنا الخيار في استعماله، أي جعله في حكم المباح، فاندرج تحت عموم الأدلة بدلالة السكوت عنه، فمطلق النظر مباح لقوله تعالى: (قل انظروا) ومطلق السير من مباحات لقوله (قل سيروا)[2] ومطلق السمع من المباحات لقوله تعالى (وجعل لكم السمع)[3] وكل مسكوت عنه مباح لقوله عليه الصلاة والسلام: (وما سكت عنه فهو عفو) وهكذا. 
ولقد بعث الرسول والناس في المجتمع الجاهلي يقومون بأعمال كثيرة لا عد لها ولا حصر، منها طرح التحية وردها، ومنها المشي والنظر والغمز، وتحريك الشفتين والأنف والجلوس مع الاتكاء على أحد الجانبين والنوم على البطن أو الظهر، ومنها التقبيل بين الناس، صغاراً وكباراً، ذكوراً وإناثاً، وكتقبيل الرجل لولده أو أخته أو صديقه، وكتقبيل المرأة لولدها أو جارتها، أو معانقة المرأة لابن أخيها أو لحماها أو طفلها، وكمعانقة الكبار للصغار وتقبيلهم ذكوراً وإناثاً، ثم أخذ الوحي بالنزول بالأحكام المتعلقة بأعمال الناس، فمنع بعض الأعمال وأباح بعضها وأوجب بعضها الآخر، فمنها ما ورد النص فيها بعينها ومنها ما ورد النص في نوعها أو جنسها، ومنها ما لم يرد فيها نص، بل سكت عنها فأخذت حكم المعفو عنه أي حكم الإباحة.
ولما كان بحثنا في القبلة من حيث هي تحية لأن الجواب الوارد على أسئلة السائل هو كون السائل كانت أسئلته استمراراً لأسئلة سبقتها عن القبلة في موضوع التحية، تلك التحية التي ورد النص فيها مطلقاً فقال تعالى: (وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها)[4] فلفظ تحية في الآية مطلق يشمل كل تحية سواء أكانت باللفظ كقول من يطرح التحية السلام عليكم، أو الله يعطيهم العافية، أو مساكم الله بالخير، أو مرحبا، أم كانت بالإشارة، كرفع اليد بحذاء الرأس في السلام العسكري، أو الإشارة بأحد الأصابع أو بالعينين، أم بعمل من الأعمال كالمعانقة أو الانحناء أو المصافحة أو القبلة أو غير ذلك. 
والقاعدة الشرعية تنص على أن (المطلق يجري على إطلاقه ما لم يرد دليل التقييد، والعام يجري على عمومه ما لم يرد دليل التخصيص). 
ولكن قد يقول قائل كانت التحية في عهد الجاهلية بلفظ (عم صباحاً وعم مساءً) فأبدلنا الله خيراً منها تحية الإسلام (السلام عليكم) فتكون التحية قد قيدت بلفظ السلام عليكم وحددت به، لا يقال ذلك لأنه لو جاز هذا التقييد لكان هذا في التحية باللفظ فقط وبخاصة في ألفاظ عم صباحاً وعم مساءً، أما التحية بالإشارة أو التحية بالفعل فتبقى على إطلاقها ما لم يرد دليل التقييد. 
وبالرجوع إلى الأدلة التفصيلية يتبين أن حكم القبلة في التحية هو الإباحة حال المجيء من سفر ولكن الإباحة هذه ليست مطلقة، ولذلك ما أخرج الدار قطني وابن أبي شيبة عن أنس رضي الله عنه قال: قلنا: يا رسول الله؛ أينحني بعضنا لبعض؟ قال: (لا) قلنا فيعانق بعضنا بعضا؟ قال: (لا) قلنا فيصافح بعضنا بعضا؟ قال: (نعم) كذا في كنز العمال (45: 5). ولما روى عن الترمذي (97: 2) عن انس رضي الله عنه قال: قال رجل يا رسول الله الرجل منا يلقى أخاه أو صديقه أينحني له؟ قال: (لا) قال فيلتزمه ويقبله؟ قال: (لا) قال فيأخذ بيده ويصافحه؟ قال: (نعم) قال الترمذي هذا حديث حسن، وزاد رزين بعد قوله ويقبله قال: (لا إلا أن يأتي من سفر) كما في جمع الفرائد (142: 2) ولما روى من أنه قيل لأبي ذر هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصافحكم إذا لقيتموه؟ قال ما لقيته قط إلا صافحني وبعث إلي ذات يوم ولم أكن في أهلي، فلما جئت أخبرت أنه أرسل إلى فأتيته وهو على سريره فالتزمني فكانت تلك أجود وأجود. أخرجه أبو داوود وأحمد بسند صالح. ففي الحديثين الأولين ينهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التقبيل والالتزام، وفي الحديث الثالث المروى عن أبي ذر يبيح التقبيل والالتزام، وبالجمع بين الأحاديث يحمل النهي في الحديثين الأولين على الكراهة، ولكن الزيادة التي رواها رزين وهي قول الرسول (لا إلا أن يأتي من سفر) استثنت حالة واحدة من كراهة الالتزام والتقبيل هي حالة المجيء من سفر فيباح فيها الالتزام والتقبيل في التحية. الزيادة في الحديث تقبل من الثقة. وهذه الزيادة عن رزين يعضدها ما روى عن عائشة رضي الله عنها قالت: قدم زيد بن حارثة رضي الله عنه المدينة ورسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي فأتاه فقرع الباب، فقام إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم عرياناً ـ لم يستر سوى ما بين السرة والركبة ـ والله ما رأيته عرياناً، قبله ولا بعده فاعتنقه فقبله، قال الترمذي(2/97) هذا حديث حسن غريب. وكان زيد قادماً من سفر ويعضد هذه الزيادة أيضاً ما أخرجه ابن سعد (4/34) عن الشعبي قال: لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر تلقاه جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه فالتزمه رسول الله وقبل ما بين عينيه وقال ما أدرى أنا بأيهما أفرح بقدوم جعفر أو بفتح خيبر، وزاد في رواية عنه، وضمه إليه واعتنقه، وكان جعفر قادماً من الحبشة. 
ويعضده أيضاً ما أخرج الطبراني عن أنس رضي الله عنه قال: كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا تلاقوا تصافحوا وإذا قدموا من سفر تعانقوا، قال الهيثمي(8/21) رواه الطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح. وزيادة على ذلك فإن لفظ "إلا" إذا سبقت بأداة نفي أو نهي أفادت قصر ما قبلها على ما بعدها فصار الالتزام والتقبيل مقتصراً على حالة المجيء من سفر، وهي أيضاً حكم استثناء وحكم ما بعدها يخالف حكم ما قبلها، فلو لم يكن حكم الالتزام والتقبيل بعد الاستثناء مخالفاً لحكمه قبل الاستثناء لما كان ثمة فائدة للاستثناء. 
والسؤال الذي يرد الآن هو: ما حكم التقبيل والالتزام بين المحارم؟ 
التقبيل والالتزام بين المحارم مباح ذكوراً كانوا أو إناثاً، كباراً كانوا أو صغاراً ومن غير كراهة للدليلين التاليين: 
أخرج الطبراني عن السائب بن زيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قبل حسناً رضي الله عنه فقال له الأقرع بن حابس، لقد ولد لي عشرة ما قبلت واحداً منهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يرحم الله من لا يرحم الناس) قال الهيثمي (8/56) رجاله ثقات وأخرجه البخاري(2/887) عن أبي هريرة رضي الله عنه. 
وأخرج البخاري في الأدب ص(138) عن عائشة رضي الله عنها قالت: ما رأيت أحداً من الناس كان أشبه بالنبي صلى الله عليه وسلم كلاماً ولا حديثاً ولا جلسة من فاطمة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رآها قد أقبلت رحب بها ثم قام إليها فقبلها ثم أخذ بيدها فجاء بها حتى يجلسها في مكانه.... الحديث. 
إن تقبيل الرسول لابنته فاطمة ولابنها الحسن بن علي في الحضر، يخالف نهيه عن التقبيل إلا حال المجيء من سفر، ولكن القاعدة الأصولية (إن القول أعم من الفعل) فينصرف فعل الرسول هنا إلى إباحة تقبيل المحارم لأن الفعل بمنزلة الاستثناء من القول والسؤال الذي يرد الآن هو: هل القبلة والتقبيل والمعانقة بين المحارم، وكذلك القبلة والتقبيل بين المقيمين والقادمين من سفر مباح في كل الحالات؟ أو أنه مباح في بعضها وغير مباح في بعضها الآخر؟ 
لقد تبين بعد الدراسة والبحث أن التقبيل والمعانقة بين المحارم من جهة، وبين المقيمين والقادمين من سفر من جهة أخرى، إنه وإن كان مباحاً إلا أنه يحرم في حالتين: 
الأولى: ـ حالة كون القبلة أو التقبيل أو المعانقة مقدمة من مقدمات الزنا أو اللواط، ودليله حديث ماعز حيث إنه جاء يعترف بارتكاب جريمة الزنا، والرسول صلى الله عليه وسلم يرده ويراجعه ويسأله لعلك قبلت؟ لعلك غمزت؟ لعلك لامست؟ ليتحقق من أنه زنا بالفعل أو أنه اقتصر على مقدمات الزنا، فيكون التقبيل أو القبلة التي هي مقدمة من مقدمات الزنا حراماً، فتدخل تحت أدلة تحريم الزنا، أي أن دليل تحريم الزنا هو نفسه دليل تحريمها. 
الثانية: ـ كون القبلة أو التقبيل للتمتع والتلذذ الجنسي، أي حالة كون المقبل أو المقبل أو كلاهما يريد الآخر، ولو لم يحصل الزنا. فقد جاء في أسباب نزول قوله تعالى (وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفاً من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين)[5] أنها نزلت في رجل من الأنصار قيل هو أبو اليسر بن عمرو وقيل اسمه عباد خلا بامرأة فقبلها وتلذذ بها فيما دون الفرج. 
وروى الترمذي عن عبد الله قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني عالجت امرأة بأقصى المدينة وأني أصبت منها ما دون أن أمسها وأنا هذا فاقض في ما شئت، فقال له عمر لقد سترك الله لو سترت على نفسك، فلم يرد عليه رسول الله شيئاً، فانطلق فاتبعه رسول الله رجلاً فدعاه فتلا عليه(وأقم الصلاة طرفي النهار... الآية) فقال رجل من القوم هذا له خاصة؟ فقال: (بل للناس كافة) قال الترمذي حديث حسن صحيح. 
وخرج أيضاً عن ابن مسعود أن رجلاً أصاب من امرأة قبلة حرام، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن كفارتها فنزلت (وأقم الصلاة... الآية) فقال إلي هذا يا رسول الله؟ فقال: له ولمن عمل بها من أمتي قال الترمذي حديث حسن صحيح. وخرج أيضاً عن ابن مسعود. ولهذا فحكم القبلة أو التقبيل بين المحارم وبين المقيمين والقادمين من سفر هو الإباحة إلا في حالتين حالة كون القبلة أو التقبيل مقدمة من مقدمات الزنا وحالة كون المقبِّل أو المقبَّل أو كلاهما يريد الآخر أي يريد التمتع والتلذذ به جنسياً. 
وأما حكم القبلة والتقبيل لغير المحارم وغير المقيمين والقادمين من سفر، إذا استثنينا هاتين الحالتين اللتين يحرم فيهما القبلة والتقبيل مطلقاً فهو الكراهة. 
اننا إذا استثنينا هاتين الحالتين من غرض التقبيل فماذا يكون الغرض من تقبيل الواحد للآخر إذا كان المقبِّل لا يريد الزنا بالمقبَّل ولا التمتع ولا التلذذ الجنسي؟ فما غرضه من التقبيل إذاً؟ قد يكون الغرض من التقبيل الشفقة على المقبل كما لو فقد شاب أهله في حادثة محزنة فعزاه أهله وجيرانه رجالاً ونساء، فاحتضنوه وقبلوه بدافع الشفقة والعطف عليه، وقد يكون الغرض من التقبيل الفرح والسرور، كما لو تعرض شخص للخطر فنجا من كارثة محققة فاستقبله أهله رجالاً ونساء فاحتضنوه وقبلوه فرحاً بنجاته، وقد يكون الغرض من التقبيل الإعجاب والتقدير كما لو أشرف طفل على الغرق فأنقذته شابة، فقبلها أبو الطفل وأمه تقديراً لها على معروفها، فالقبلة هنا على البراءة الأصلية التي لا يراد منها أي غرض سيء، فإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتبر إقامة الصلاة كافية لتكفير عمل الرجل الذي قبل المرأة الأجنبية وتلذذ بها وفعل بها ما يفعل الرجل بزوجته إلا الوطء فماذا تظنه يقول في رجل قبل ابنة عمه تقبيل تحية فرحا بقدومها من سفر بعيد، أو امرأة قبّلت ابن خالها القادم من سفر أيضاً.





هذه هي القبلة التي قال الحزب إنها مباحة، وهي قبلة التحية الخالية من غرض التمتع والتلذذ، والتي لا تكون من مقدمات الزنا. 

وأما الأحاديث التي أوردها الدكتور دليلاً على أن القبلة حرام فهي ما يلي: 
1- أخرج ابن جرير الطبري عن ابن مسعود قال: (زنا العينين النظر وزنا الشفتين التقبيل). 
2- قال صلى الله عليه وسلم في وراية لأبي داود ومسلم : (والفم يزني وزناه القبل). 
3- قال صلى الله عليه وسلم: (لأن يُطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمسّ امرأة لا تحلّ إليه). 
الحديثان الأولان معناهما واحد، وهو النهي عن التقبيل والنهي عن النظر. والنهي عن التقبيل الذي نحن بصدده هو التقبل الحرام، وليس نهياً عن كل تقبيل وإلا لكان تقبيل المرأة لابنها حراماً. 
وأما الحديث الثالث الذي حرم الدكتور بموجبه لمس المرأة وبالتالي تحريم القبلة؛ فليس فيه ما يدل على تحريم لمس المرأة، لأن كلمة (يمسّ) في الحديث معناها (يطأ)، يشهد لذلك ما رواه الترمذي عن عبد الله قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني عالجت امرأة في أقصى المدينة، وإني أصبت منها ما دون أن أمسّها... الحديث. فقوله في الحديث: (أمسّها) معناه (أطؤها)، ولو كان معنى (أمسّها) : (ألمسها) كما فهم الدكتور لما كان لقول الرجل في الحديث (عالجت امرأة وأصبت منها ما دون أن أمسها) معنى، ولما جاء إلى الرسول ليقتص منه، ويشهد له ما جاء في قوله تعالى: (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسّوهنّ وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم)[1]، فمعنى (تمسّوهن) في الآية: (تطؤوهنّ)، وفي الحديث نفسه لو كان معنى يمسّ يلمس لحرم على الإنسان أن يلمس أمه أو أخته أو ابنته، لأن كل واحدة منهن لا تحلّ له، وبذلك يسقط قول الدكتور في الاستدلال. 
والآن نبدأ الإجابة على الأسئلة كما وردت لا كما صاغها الدكتور. 
السؤال الأول: ـ ما حكم القبلة بشهوة مع الدليل ؟ 
الجواب: ـ أن ما جاء في حديث ماعز، ومن قول الرسول له: لعلك قبلت لعلك لامست لعلك غمزت، يجعل القبلة والتقبيل من مقدمات الزنا، وقد أشرنا فيما سبق أن القبلة إن فعلت على هذا الوجه أي أن أحدهما يريد الآخر كانت حراماً، فالتحريم للقبلة ليس لأنها بشهوة أو بغير شهوة، ولا لأن المقبِّل أو المقبَّل محرماً أو أجنبياً، وإنما التحريم في التقبيل لأنه فعل على وجه التمتع والتلذذ الجنسي أو لأنه مقدمة من مقدمات الزنا ولو لم يحصل الزنا، لذلك فإن تقبيل الرجل لامرأة يريدها حتى لو لم يكن بشهوة فهو حرام، فتقبيل رجل لامرأة سواء أكانت محرماً أو أجنبية، أو تقبيل رجل لرجل، فإن كان على وجه أنه يريدها أو يريده فإن هذا التقبيل يكون حراماً. 
السؤال الثاني: ـ كيف يعرف أن رجلاً يقبل امرأة أن هذه القبلة بشهوة حتى يترتب على ذلك عقوبة من قبل الدولة؟ 
الجواب: ـ أن تحريم القبلة ليس لكونها بشهوة أو بغير شهوة، وإنما يأتي التحريم من كون أن أحد المتبادلين بالقبلة كليهما يريد الآخر، ولما كان غرضها غير واضح لذلك تمنع الدولة التقبيل في الأماكن العامة لأنه ليس لها إلا الظاهر من الأمور. 
السؤال الثالث: ـ كيف يتصور أن أحداً يقبل شخصاً آخر رجلاً كان أو امرأة بشهوة؟ 
الجواب: ـ يصعب أن يتصور المرء أن أحدا يقبل امرأة بشهوة وهولا يريد التمتع والتلذذ الجنسي بها فلا يقبل احد أحداً بشهوة إلا إذا كان يريده، وهنا يكون التقبيل حراماً، ولذلك فالتحريم جاء من كون المقبِّل يريد المقبَّل، لا من كون التقبيل بشهوة أو بغير شهوة. 
السؤال الرابع: ـ هل تعتبر القبلة بشهوة من الأفعال الجبلية التي ورد في أصلها الإباحة ؟ 
الجواب: ـ الشهوة شيء، والعمل بشهوة شيء، والتقبيل شيء آخر. 
أولاً: ـ الشهوة : هي تحرك الذكر سواء انتصب أو لم ينتصب, بل مجرد التحرك يعتبر شهوة وهي من المباحات, وذلك لدخولها تحت عموم الأدلة من اشتهاء الأكل واشتهاء النساء وغير ذلك ولدخولها تحت آية (ما تشتهيه الأنفس)[2] ولدخولها تحت قول الصحابة للرسول "شكونا الغربة" أي تحركت شهواتهم وقد أقرهم الرسول على ذلك، فالشهوة أي تحرك غريزة الجنس على وجه يحرك الذكر مباح من المباحات 
ثانياً: ـ العمل بشهوة: هو العمل الذي يتحرك به الذكر وليس العمل الذي يشتهيه، والعمل بشهوة يكون الحكم للعمل لا للشهوة أو له مع الشهوة، أي له مطلقاً، أي له في حالة الشهوة، فالعمل بشهوة لا يحرم بوجودها بل يحرم لوجود الدليل، لأن الشهوة من حيث هي ليس حراماً، وليست علة للتحريم أي لم يرد دليل يحرمها، ولم يرد دليل على جعلها علة للتحريم، ولذلك لا تحرم العمل، فالعمل لا يحرم إلا لدليل يحرمه، والعمل بشهوة لا يحرم إلا إذا جاء الدليل يحرمه، فالرسول صلى الله عليه وسلم نظر إلى الخثعمية ولم يمنع الفضل من النظر إليها، ولكنه حين رأى نظرة الفضل أنها صارت بشهوة لوى عنقه، أي منعه وظل ينظر إليها فكان ذلك دليلاً على أن النظرة بشهوة حرام، ولو لغير عورة النساء، لأن الفضل كان ينظر إلى وجهها، والنظر إلى غير عورة النساء بغير شهوة ليس حراماً، فهذا دليل على أن النظرة بشهوة لغير عورة المرأة حرام، وهذا الدليل ليس عاماً، بل هو خاص بالنظر، لأنه لم يأت على وجه التعليل ولا تظهر فيه العلية، لذلك كان النظر بشهوة حراماً لوجود الدليل، ولم يكن التفكير بشهوة حراماً لعدم وجود الدليل، وعلى ذلك فكون الأعمال بشهوة ليس هو الذي يجعلها حراماً، بل تحرم إذا وجد دليل يحرمها، وتباح إذا وجد دليل يبيحها، فمن الرجال من يلمس ثوب المرأة منفصلاً عنها بشهوة، ومنهم من يرى ثوبها منشوراً على ظهر السطح بشهوة، أي يتحرك ذكره من مجرد رؤية حذائها أو ثوبها أو قميصها أو من سماع صوتها مباشرة أو من الراديو من مجرد الحديث أو الغناء أو غير ذلك، فهذه أفعال بشهوة، وكلها تتعلق بالمرأة، وهي مباحة لدخولها تحت أدلة الإباحة ولعدم وجود دليل خاص بها يحرمها، ولأنها لا تدخل تحت تحريم النظر بشهوة. 
والعمل بشهوة ليس خاصا ًبالأعمال التي تتعلق بالمرآة بل قد تتحرك من الجمادات فقد يلمس حجراً أملس بشهوة أو قطعة خشب ناعمة بشهوة، فهذا كله ليس بحرام ولو فعل بشهوة لأن الشهوة من حيث هي ليست حراماً، ولا علة للتحريم، وهكذا جميع الأعمال ما عدا الأعمال التي تعتبر مقدمة من مقدمات الزنا. 
ثالثاً: ـ التقبيل : التقبيل غير العمل بشهوة فهو موضوع أعمال معينة، وهي التي تعتبر من مقدمات الزنا، وهذه لا تحتاج إلى دليل يحرمها، بل يكفي القيام بها على وجه التمتع أو القيام بالفعل أي الزنا لأن يجعلها حراماً، ولأن يجعلها حراماً داخلة تحت أدلة تحريم الزنا، لأنها بالفعل داخلة تحتها كما أشار إلى ذلك حديث ماعز وكما هو الواقع مما لم يرد في حديث ماعز، فهذه ألأفعال وحدها لا يبحث في تحريمها عن دليل يدل على التحريم، ولا يبحث في تحريمها هل قام بها بشهوة أم لا ؟ بل يبحث فيها هل قام بها على وجه إنه يريدها أي إنه يريد التمتع، يريد الفعل، يريد الزنا أم لا ؟ سواء حصل فعل الزنا أم لم يحصل. فإن قام بها على هذا الوجه كان حراما، لأنه يكون قد فعل مقدمة الزنا، فلا يكون حراماً. 
إننا نتقيد بالدليل الشرعي ونعتبر الحكم بالدليل الشرعي لا بالعقل، أما كون الناس في هذا الموضوع بالذات يعتبرون المظنة دليلاً على الحكم فلا ننزل عند رأيهم طمعا في تأييدهم، فالمسالة بيننا وبنهم هي مسالة اعتبار الدليل، فنحن لا نرضى بأي دليل إلا ما جاء به الوحي، والمظنة ليست دليلاً من الأدلة، فخروج المرأة الجميلة إلى الشارع مظنة أن يفتتن الناس بها لا يجعل خروجها حراماً، والرجل يقبل امرأة مظنة أنه يريدها لا يجعلها حراماً، لأن المظنة هذه ليست دليلاً ولا تصلح أن تكون دليلاً لأنها ليست وحياً، والدليل الشرعي هو ما جاء به الوحي. أما كون التقبيل الذي ليس من مقدمة الزنا حال المجيء من سفر مباحاً، فلا نفعله ولا نأمر به، بل نبين الحكم الشرعي فيه، ثم إنه ليس كل مباح يفعله المسلم, فإن المسلم ولا سيما الورع يتجنب الشبهات، ما يظنه الناس أنه منكر، فالسير في الأمكنة المشبوهة بالفجور كالشوارع التي فيها الساقطات واتخاذ الشاب الجميل صاحباً ملازماً، والسير مع امرأة في الليل في مكان خالٍ من الناس ولو كانت محرماً أو زوجة، والجلوس في خمارة ليس فيها إلا الخمر، كل ذلك وما أشبهه وإن كان مباحاً ولكن المسلم لا يفعله وخاصةً المسلم الورع، فأمكنة الشبهات قد طلب الشارع تجنبها، فتقبيل الرجل لأجنبية منه محل شبهة عند الناس أنه يريدها، لذلك يتجنبها من باب (فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه). 
ونحن بهذا نكون قد استكملنا البحث في موضوع القبلة، واحترزنا في إباحتها عن محاذير كثيرة حينما قيدناها بشرطين: 
الأول: ـ أن لا تكون القبلة والتقبيل مقدمة من مقدمات الزنا. فهذا الشرط يمنع المحارم من أن يقبل بعضهم بعضاً كمقدمة من مقدمات الزنا، ويمنع الكبار من تقبيل الصغار لنفس الغرض، أما الذي يبيح القبلة بين المحارم ولا يقيدها بهذا الشرط فيترك لهم مجالاً واسعاً في القبلة والتقبيل الذي هو مقدمة من مقدمات الزنا، بحجة أن القبلة بين المحارم جائزة وكذلك الحال مع من يرى جواز تقبيل الصغار ولم يحترز بهذا الشرط. 
الثاني: ـ أن لا يكون أحد المتبادلين القبلة أو كلاهما يريد التمتع والتلذذ الجنسي. وهذا الشرط، احتراز من أن يقبل الرجل أخته أو عمته مثلا بقصد التمتع والتلذذ، أما الذي لا يحترز بهذا الشرط فيترك المجال واسعاً بين المحارم أو بين الكبار والصغار أن يتلذذ بعضهم ببعض، وهو احتراز عما ينتج عن رأي من يقول بأن الشهوة هي علة تحريم القبلة، لأن من يقول بذلك يبيح أصله الذي يبني عليه قبلة التلذذ والتمتع بغير شهوة، وهو احتراز أيضاً عما ينتج عن رأي من يقول بأن المظنة هي دليل التحريم، ولا مظنة عندهم بين المحارم أو بين الكبار والصغار.








ثالثــــــــاً



حكم شراء تذكرة السفر من




شركات الطيران المساهمة



ذكر الحزب أنه لا يجوز لمن أراد أن يركب في طائرة تملكها شركة مساهمة أصحابها مسلمون، لأنها لا تكون أهلا للتصرف ويكون التعاقد معها حراماً، ويكون الانتفاع بالتذكرة حراماً أيضاً، بينما يجوز لمن أراد أن يركب في طائرة تملكها شركة مساهمة من الشركات الأوربية، لأن التعاقد معها صحيح.





تعليق الدكتور على الحكم



يقول الدكتور في تعليقه على الحكم: (وفتوى الحزب هذه، والمتعلقة بحرمة شراء تذكر السفر من شركة أصحابها مسلمون، وإباحة شراء تذاكر السفر من شركة أصحابها غير مسلمين كالأمريكان والفرنسيين خطأ فادح في أمر وأضح، فلو سلمنا جدلاً معهم أن هذه الشركة المساهمة حرام والتعاقد مها حرام، فيستوي في ذلك أن يكون أصحابها مسلمين أو غير مسلمين، فنحن نعلم أن الخمرة في الشريعة الإسلامية حرام وبيعها حرام وشراؤها حرام كذلك بنص القرآن والسنة والإجماع (مع المسلمين وغير المسلمين). ومن فتوى الحزب المتقدمة فإنه يحرم على المسلم أن يشتري من مسلم خمراً، ويباح له أن يشتري من الأمريكي أو الفرنسي خمرا ً لأن هذا العقد صحيح عند الأمريكان. وهذا منطق في غاية الغرابة والخطورة وإتيان بما لم تستطعه الأوائل ولن يستطيعه الأواخر، فنعوذ بالله أن نجعل القرآن عضين).



انتهى التعليق



توضيح الحكم على التعليق: 

أراد الدكتور أن يدلل على خطأ الحكم وبطلانه فاستند على القياس، ولم يبحث في طبيعة العقد الباطل بل قاس بيع التذكرة على بيع الخمرة، وشراء التذكرة على شراء الخمرة، فكما يكون شراء الخمرة حراماً سواء أكان من المسلم أم من الكافر، فكذلك يجب أن يكون شراء التذكرة من شركة مساهمة حراماً، سواء أكان أصحابها مسلمين أم كفاراً، بهذا أراد إبطال الحكم، هذا إذا سلم جدلاً أن الشركات المساهمة باطلة شرعاً، ولما أراد أن يستثير العواطف استنتج حكماً خاطئاً بالنيابة عن حزب التحرير وباسمه وهو حرمة شراء المسلم الخمرة من المسلم وجواز شرائها من أمريكي أو فرنسي.





نقول للدكتور كان من الأولى به أن يدرك : ـ



أولاً: ـ أن المسلمين المكلفين يجب أن تكون تصرفاتهم وعقودهم مبنية على أساس الشرع حتى يجوز لهم أن يتعامل بعضهم مع بعض. 

ثانياً: ـ أن يبحث في كيفية الاستدلال بحرمة شراء التذكرة من الشركة المساهمة التي أصحابها مسلمون، وجواز شرائها من الشركة التي أصحابها كفار. 
ثالثاً: ـ أن يحقق في واقع كل من التذكرة والخمرة ليتأكد من أن واقعيهما متوافقان حتى يمكن إعطاء الواحد منهما حكم الآخر، أو أنهما مختلفان فلا يتوافقان في الحكم.





أما الأول: فيجب على المسلمين أن تكون عقوهم مبنية على أساس الشرع، أي أن تكون صحيحة حتى تكون الأعمال والتصرفات المبنية عليها جائزة شرعاً، وعقد الشركة المساهمة باطل، ومتى كان العقد باطلاً كانت الأعمال والتصرفات المبنية عليه باطلة شرعاً. 

فلو تزوج رجل من امرأة بغير موافقة ولي أمرها وبغير شاهدين واقتصر على رضاها فالعقد باطل والخلوة حرام، والتمتع والتلذذ الجنسي بها حرام. وكذلك لو اشترى رجل من حارس كراجٍ سيارةً لا يملكها الحارس ولا هو موكل في بيعها، بل باعتبار أنها سرقة، فالعقد باطل، وكل عمل أو تصرف في السيارة سواء أكان بركوبها أو بالنقل عليها أو بيعها أو بتأجيرها باطل وحرام، لأن الحارس لا يملك التصرف في السيارة بالبيع والشراء، ولذلك لم يعط العقد ثماره ولم يترتب عليه نتائج. 
وكذلك الشركة المساهمة فإن عقدها باطل شرعاً، ومديرها لا يملك التصرف لا بالبيع ولا بالشراء، والتعامل معه حرام، فيكون شراء التذاكر من الشركة المساهمة حراماً، لأن أصحابها مسلمون، والمسلمون يجب أن تكون عقودهم مبنية على أساس الشرع، وإلا كانت باطلة، أما إذا كان أصحاب الشركة المساهمة غير مسلمين وليسوا في دار الإسلام فعقودهم وتصرفاتهم تكون حسب قوانينهم وأنظمتهم والتعامل معهم جائز، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أقرّ المسلمين على التعامل معهم، كما كان الحال في مكة قبل الفتح، حيث كان المسلمون فيها يتعاملون مع المشركين، وكانوا يتعاملون فيما بعد مع الكفار خارج دار الإسلام. أما داخل دار الإسلام فكان الكفار يجبرون على الخضوع لأحكام الإسلام، إلا الأحكام التي أقرهم عليها فيما بينهم والتي تتعلق بأديانهم، وعقد الشركة المساهمة خارج دار الإسلام جائز في حقهم وجائز التعامل معهم. ولذلك فشراء التذاكر من شركة مساهمة يملكها كفار جائز.





أما الثاني: فإن العقد بين المسلم والمسلم أو بين المسلم والكافر إذا وجدت أركانه وتوفرت شروطه يكون صحيحاً إذا كان الشيء المعقود عليه مباحاً. أما العقد بين المسلم والمسلم أو بين المسلم والكافر إذا توفرت شروطه ووجدت أركانه وكان الشيء المعقود عليه حراماً كان العقد حراماً لأن الشيء المعقود عليه ركن من أركان العقد فهو محل العقد، ومن شروط العقد أن يكون محل العقد قابلاً لحكمه، فلا ينعقد بيع ما ليس بمال شرعاً كالخمرة، ومن شروط العقد أيضاً أن يكون الطرفان المتعاقدان أهلين للتصرف فعقد الصغير غير المميز باطل، وإذا كان أحد الطرفين المتعاقدين شركة وجب أن تكون صحيحة الانعقاد حتى تكون أهلاً للتصرف، والشركة المساهمة التي يملكها مسلمون باطلة لعدم توفر شروط انعقادها، فلا يملك مديرها التصرف، ومن هنا تأتي حرمة التصرف من مديرها وحرمة التعامل معه.



وأما الثالث: فهو أن الأشياء التي يتبادلها الناس بالبيع والشراء والهدية والهبة من حيث هي أشياء لها حكمان: أحدهما الحلال والآخر الحرام، فالكتاب والسيارة والطائرة وتذكرة السفر كلها مباحة أي حلال، أما الخمرة والميتة ولحم الخنزير فكلها حرام، فالكتاب يمكن للمسلم أن يمتلكه من كافر وينتفع به بعقد صحيح، وتذكرة السفر يمكن للمسلم امتلاكها بعقد صحيح أيضاً، أما الخمرة فلا يمكن للمسلم أن ينتفع بها أو يمتلكها بعقد لا من مسلم ولا من كافر، لأنها هي محل العقد، ومحل العقد يحب أن يكون قابلاً لحكمه. والخمرة محرمة على المسلم بيعاً وشراء وشرباً وحملاً وعصراً وغير ذلك، فواقع الخمرة غير واقع تذكرة السفر، فالأولى محرمة والثانية محللة، فلا وجه لقياس الواحدة على الأخرى، ولا تندرج الواحدة تحت حكم الأخرى لاختلاف واقعيهما.







رابعــــــــاً



جواز أن يكون الكافر




قائداً في الجيش






الجيش في الدولة الإسلامية يقوم بالجهاد في سبيل الله، ويحمي بلاد المسلمين من الخطر الخارجي، ويحفظ الأمن الداخلي. وجواز أن يكون الكفر قائداً في الجيش أو لا يجوز، فهذا يعود إلى موضوع جواز الاستعانة بالكافر في القتال أو عدم الجواز. والكفار يجوز أن يستعان بهم في القتال، ولكن بوصفهم أفراداً وبشرط أن يكونوا تحت الراية الإسلامية, أما الاستعانة بهم كطائفة معينة لها كيان مستقل عن الدولة الإسلامية فلا يجوز مطلقاً، ويحرم أن يستعان بهم كدولة مستقلة. والدليل على جواز الاستعانة بهم في القتال كأفراد لا ككيان مستقل ما يلي:



أولاً: خرج قزمان مع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد وهو مشرك، فقتل ثلاثة من بني عبد الدار حملة لواء المشركين حتى قال صلى الله عليه وسلم: (إن الله ليأزر هذا الدين بالرجل المشرك). 

ثانياً: خرجت قبيلة خزاعة مع النبي عام الفتح لمحاربة قريش وكانت خزاعة حينئذ على الشرك حتى قال لها الرسول صلى الله عليه وسلم: (يا معشر خزاعة ارفعوا أيديكم فقد كثر القتل إن نفع لقد قتلتم قتلاً لأديَنَّه). ولم يكن لخزاعة كيانها بل كانت تقاتل تحت إمرة النبي صلى الله عليه وسلم. 
ثالثاً: وروى الزهري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعان بناس من اليهود في حربه فأسهم لهم. 
رابعاً: تعريف الإجارة بأنه عقد على المنفعة بعوض. يدل على أن الإجارة جائزة على كل منفعة يمكن للمستأجر استيفاؤها من الأجير، فيدخل فيها استئجار الشخص للجندية وللقتال مسلماً كان أو كافراً، غير أن المسلم مقيد في قتال غيره من العباد بحدود ما يسمح له الشرع وللغرض الذي من أجله شرع القتال.





هذه الأحاديث كلها صحيحة وتدل دلالة صريحة على جواز الاستعانة بالكفار أفراداً، أي على جواز أن يكون الكافر في جيش المسلمين، يقاتل العدو مع المسلمين إلا إنه لا يجبر على أن يكون في الجيش، ولا يجبر على القتال لأن الجهاد ليس فرضاً عليه، ولا يُعطى من الغنيمة ولكن يرضخ له. وقد ترد اعتراضات على جواز وجود الكافر في الجيش الإسلامي مثل:



أولاً: ورد عن عائشة قالت: خرج النبي صلى الله عليه وسلم قبل بدر، فلما كان بحرة الوبرة أدركه رجل قد كان تُذكَر منه جرأة ونجدة، ففرح به أصحاب النبي حين رأوه، فلما أدركه قال جئت لأتبعك فأصيب معك. فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: تؤمن بالله ورسوله؟ قال: لا، قال: فارجع فلن أستعين بمشرك. قالت: ثم مضى حتى إذا كان بالشجرة أدركه الرجل فقال كما قال أول مرة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم كما قال أول مرة فقال: لا، قال فارجع فلن أستعين بمشرك، قالت فرجع فأدركه بالبيداء قال له كما قال أول مرة: تؤمن بالله ورسوله؟ قال: نعم. فقال له انطلق. 

هذا الحديث لا يتعارض مع الثابت أنه صلى الله عليه وسلم استعان بمشركين، وذلك لأن هذا الرجل اشترط أن يحارب ويأخذ من الغنيمة، فإنه قال: (جئت لأتبعك وأصيب معك)، والغنيمة لا تُعطى لغير المسلمين، فيحمل رفض الرسول الاستعانة به على ذلك، كما يحمل على أن الاستعانة بالكفار أفراداً موكولة لأمر الخليفة إن شاء استعان وإن شاء رفض.





ثانياً: ورد عن خبيب بن عبد الرحمن عن أبيه عن جده قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يريد غزواً أنا ورجل من قومي ولم نسلم، فقلنا: إنا نستحيي أن يشهد قومنا مشهداً لا نشهده معهم، فقال: (أأسلمتما؟ ) فقلنا: لا، فقال: (إنا لا نستعين بالمشركين على المشركين) فأسلمنا وشهدنا معه.



هذا الحديث يحمل على أن الاستعانة بالكفار موكولة لرأي الخليفة، إن شاء استعان وإن شاء رفض. والرسول استعان بأحد، واستعان في فتح مكة، ورفض الاستعانة في بدر، ورفض الاستعانة بخبيب والرجل الذي معه حتى أسلما. فكون الرسول ثبت عنه أنه استعان بأفراد من الكفار في القتال وهم على كفرهم وثبت عنه أنه رفض الاستعانة بأفراد من الكفار في القتال على أن الاستعانة بأفراد الكفار في القتال جائزة وأنها موكولة لرأي الخليفة، إن شاء قبل الاستعانة وإن شاء رفضها. وذكر البيهقي عن نص الشافعي أن النبي صلى الله عليه وسلم تفرّس الرغبة في الذين ردهم رجاء إسلامهم فصدق الله ظنه.



ثالثاً: روى أحمد والنسائي عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تستضيئوا بنار المشركين). وهذا الحديث يتعارض مع الحديث عن قزمان، لأن نار القوم كناية عن كيانهم في الحرب كقبيلة مستقلة أو دولة.



رابعاً: ما روي عن أبي حميد الساعدي أنه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا خلف ثنية الوداع إذا كتيبة، قال: من هؤلاء؟ قالوا: ينو قينقاع، رهط عبد الله بن سلام، قال: أوتسلموا؟ قالوا: لا، فأمرهم أن يرجعوا، وقال: (إنا لا نستعين بالمشركين) فأسلموا.



أما ردهم فلأنهم طائفة مجتمعة في كتيبة كافرة وجاءت تحت رايتهم باعتبارهم من بني قينقاع التي بينها وبين الرسول معاهدات وكانت كدولة، بينما في خيبر قبل الاستعانة باليهود كأفراد، وتلاحظ أنه قبل الاستعانة بقزمان في أحد، ولم يقبل الاستعانة ببني قينقاع في نفس المعركة، وليس من سبب إلا لأنهم جاؤوا تحت رايتهم، أما قزمان فقاتل تحت راية الرسول صلى الله عليه وسلم.



خامساً: قائد الجيش محل أمانة وثقة، والله تعالى يقول: (ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم)[1] هذه الآية هي إخبار على لسان اليهود، فهي في حق اليهود ومن شرعهم، فهي ليست شرعاً لنا، ويجوز لنا أن نأمن الكافر كفرد، وكان له صلى الله عليه وسلم خادم يهودي وكان يأمنه.



سادساً: قد يتوهم أن القائد في الجيش بمنزلة الحاكم، والله تعالى يقول: (ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً)، والحقيقة أن القائد في الجيش ليس حاكماً ولا أميراً، وإنما هو موظف، أي أجير يعمل بأجر.



سابعاً: قد يحصل من وجود الكافر قائداً في الجيش ضرر للدولة وللأمة، والجواب على ذلك هو أن الاستعانة بالكفار جاءت مطلقة، فالأمر متعلق بجواز وجود الكافر في الجيش وليس برتبته، فإذا كان في شخص معين أو في رتبة معينة في الجيش وينال الأمة منه ضرر؛ فإنه يحرم أن يوجد في الجيش أو في تلك الرتبة حتى ولو كان مسلماً، لأن الفرد من أفراد المباح إذا أوصل إلى ضرر فإنه يمنع، وقائد الجيش الوارد في النشرة ليس كما يتوهم أنه قائد الجيش الإسلامي، بل هو قائد في الجيش، لأن قائد الجيش كله هو الخليفة. فالخليفة هو الذي يعين هيئة الأركان، وهو الذي يعين قادة الجيوش، والكافر لا يجوز له أن يكون خليفة أي لا يجو أن يكون قائداً للجيش الإسلامي كله. حتى ولا يجوز أن يكون أميراً للجهاد، لأن أمير الجهاد لا يتأتى أن يكون كافراً، لأنه يشرف على دائرة الخارجية التي تتولى عقد المعاهدات المبنية على أحكام الشرع، ويشرف أيضاً على دائرة الحربية التي من ضمن اختصاصها وضع الثقافة الإسلامية للجيش، وهذه لا يتأتى للكافر أن يشرف عليها أو يقررها، ولكن يجوز للكافر أن يكون قائداً في الجيش لا قائد الجيش.





خـــــــامساً



حرمة الانتفاع بالمحرم والنجس






إن روث البقر وذرق الطيور نجس، وحكمه حكم سائر النجاسات، كحكم الدم والميتة وغير ذلك من النجاسات. والنجاسات كلها لا يجوز بيعها، ولا يجوز إهداؤها، بل حكمها أن تُرمى وأن تُطرح أو تُتلف. أما استعمالها والانتفاع بها فهو موضوع خلاف بين الفقهاء، فمنهم من يجيز استعمالها والانتفاع بها، ومنهم من يمنع ذلك ويعتبره محرماً من المحرمات. 

والحق أن الانتفاع بالنجاسات حرام، ولا يحل بحال من الأحوال إلا في التداوي، فيحرم الانتفاع بها فيما يتعلق بالآدمي نفسه، كالأكل والشرب والدهن ونحوه، ويحرم الانتفاع بها في غير الآدمي، كتسميد الأرض وتسجير التنور وغير ذلك من الانتفاعات. والدليل على ذلك ما ورد من تحريم النجس من حيث هو نجس، وما ورد من تحريم نجاسات بعينها بوصفها نجاسات. 
أما ما جاء في تحريم النجس من حيث هو نجس، أي بوصف النجاسة، فهو الآيات التي جاء فيها الأمر باجتناب النجس. قال الله تعالى: (إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون)[1]. أي: فاجتنبوا هذا الرجس، فهو أمر باجتناب الرجس، وهو وإن كان الحكم مسلطاً على ما جاء في الآية من الخمر والميسر والأنصاب والأزلام، وجاء بهذه المحرمات، إلا أن الأمر بالاجتناب لم يسلط عليها، فلم يقل (فاجتنبوها)، بل هو مسلط على الرجس، ولذلك قال: (فاجتنبوه)، أي: اجتنبوا هذا النجس، فوصفه بالنجس وأمر باجتنابه بهذا الوصف، وهو يدل حسب دلالة الإشارة على اجتناب النجس من حيث هو نجس. وقال تعالى: (فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور)[2] أمر باجتناب الأوثان، وعبّر عن ذلك بوصفها بالنجاسة، وسلط الأمر على النجس، أي على الرجس، ولذلك قال بعدها: (واجتنبوا قول الزور)، فسلط الاجتناب مباشرة على النهي عنه، فهو قد أمر باجتناب الأوثان، فـ (من) هنا للبيان، أي هي بيان للرجس المنهي عنه، فهو قد أمر باجتناب الأوثان، فالأمر باجتناب وصفها الذي هو الرجس، وهو بهذا التعبير (فاجتنبوا الرجس) فيه دلالة على اجتناب النجس من حيث هو نجس، فيكون دليلاً على تحريم النجس من حيث هو نجس. 
ولا يقال إن هذا الرجس في الآيتين معنوي وليس بحسّيّ، فلا يشمل النجاسات الحسية، لا يقال ذلك لأن كلمة (الرجس) في الآية الثانية اسم جنس محلى بالألف واللام، فهي من ألفاظ العموم، وتحمل عليها كلمة رجس في الآية الأولى، فتكون عامة تشمل كل الرجس، فتدخل تحتها النجاسات الحسية. هذا ما جاء في تحريم النجاسات. أما ما ورد في تحريم النجاسات بعينها في الأدلة الواردة في الميتة والدم والبول والخمر والكلب بوصفها نجاسات. فبالنسبة للميتة. قال الله تعالى: )حرمت عليكم الميتة) وعن ميمونة رضي الله عنها قالت: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاة يجرونها فقال: (يطهرها الماء والقرظ)، وعن أبي واقد رضي الله عنه، قال رسول الله صلى الله غليه وسلم: (ما قطع من البهيمة وهي ميتة فهو ميت) وهو يعني أنه حرام. وبالنسبة إلى الدم قال تعالى: (حرمت عليكم الميتة والدم)[3] وقال تعالى: (قل لا أجد فيما أوحي إلى محرماً على طاعم يطعمه إلى أن يكون ميتة أو دماً مسفوحاً)[4]. وبالنسبة إلى البول، مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على قبرين فقال: (إن هذين ليعذبان وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان يمشي بين الناس بالنميمة، وأما الآخر فكان لا يتنزه عن البول). وعن أنس بن مالك قال: جاء أعرابي فبال في طائفة من المسجد، فزجره الناس، فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: (لا تزرموه) فلما قضى بوله، أمر صلى الله عليه وسلم بذََنوب ماء فاهريق عليه. وأدلة البول هذه أدلة الخراء والروث وذرق الطيور وسائر الفضلات. 
وبالنسبة للخمر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (حرمت الخمر لعينها)، وعن أنس بن مالك قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبل رجل عنده خمر لأيتام، هل يخللها؟ فأمره بإراقتها. 
وبالنسبة للكلب عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات أولاهن بالتراب). 
هذه الأدلة الإجمالية والتفصيلية صريحة الدلالة في تحريم النجاسات، وإذا حرم الله شيئاً حرم استعماله وحرم الانتفاع به. صحيح أن التحريم ينصبّ على ما يفهمه العرب من اللفظ المسلط على ما حرم، فما حرم مما يؤكل ينصرف إلى تحريم الأكل، وما حرم مما يشرب ينصرف إلى تحريم الشرب، ولكن هذه المحرمات ما حرم منها مما يؤكل ويشرب قد جاء الدليل على عموم تحريمه، وما حرم مما لا يؤكل ولا يشرب يكون تحريمه عاماً. 
فالميتة قد جاءت أدلة أخرى على أن التحريم ليس خاصاً بأكلها، بل هو عام، فبالنسبة للميتة جاء حديث ميمونة بأن الرسول أمر أن تُرمى كلها، ولم يستثن من ذلك إلا جلدها بعد دباغته، وفي الحديث أن الرسول حين حرم بيع الميتة سئل: فما ترى في بيع شحوم الميتة، فإنها تُطلى بها السفن، فأجاب صلى الله عليه وسلم: إنه حرام، أي حرمها تحريماً عاماً، حتى الانتفاع بشحمها، وقال أيضاً: (لا تنتفعوا من الميتة بشيء). 
وأما الخمر فإن الرجل الذي جاء إلى الرسول عليه السلام بخمر هدية، وأخبره أنها حرمت قال له الرسول: (ما حرم شربه حرم بيعه وحرم إهداؤه)، وأمره بإراقتها، مما يدل على أنها حرام حرمة مطلقة عامة. 
هذا بالنسبة لتحريم ما يؤكل ويشرب، أما باقي النجاسات فهي ليست مما يؤكل ويشرب، فيفهم العرب من تحريمها التحريم العام، أي تحريم استعمالها والانتفاع بها، وهذا يعني أن النجاسات محرمة تحريماً مطلقاً وعاماً، فلا يحل الانتفاع بالنجاسات ولا بأي وجه من أوجه الانتفاع، ولذلك نجد الرسول صلى الله عليه وسلم حين سئل عن الفأرة تقع في السمن فقال: (إن كان جامداً فألقوها وما حولها وكلوه، وإن كان مائعاً فلا تقربوه) وفي رواية: (فأريقوه)، فلم يقل انتفعوا به في الدهان والإضاءة أو ما يمكن أن يستفاد منه حينذاك. وحينما سئل عن الخمر لأيتام هل يخللها؟ أمر السائل بإراقتها، ونهيه عن شحوم الميتة وأن تطلى السفن بها، كل ذلك يدل على تحريم الانتفاع بالنجس، فيشمل كل شيء فيها ويشمل تحريم استعمالها، وتحريم الانتفاع بها، ومتى حرم الشيء حرم بيعه وحرم ثمنه، فلا يحل تسميد الأرض بروث الدواب وذرق الطيور، ولا بأي نجاسة من النجاسات، أما حمل النجاسات، كحمل الروث سماداً، وحمل اللحم الميت وحمل الخمر وغير ذلك من النجاسات؛ فإنه إن كان لإلقائها أو لإراقتها، أي من أجل إتلافها فإنه يجوز، لأن الناس كانوا يحملون الميتة لإلقائها، وكان الرسول يقرهم على ذلك، وأما حملها لتوصيلها لمكان آخر أو لشخص آخر فإنه لا يجوز مطلقاً سواء أكان بأجرة أو تبرعاً، لأن النهي عام، فيشمل كل شيء يتعلق بالنجاسة. ولا يقال إن سماد الأرض هو إلقاء للنجاسة في الأرض، لا يقال ذلك لأن التسميد انتفاع، والانتفاع بالنجاسة من حيث هو حرام، فحملها لإلقائها في مكان بعيد عن الناس جائز، ولا مانع من أن تأكل الكلاب أو السباع منها، ولكن إطعام الكلاب والسباع منها حرام، لأن الأول ليس انتفاعاً، والثاني انتفاع، فجاز الأول وحرم الثاني، فحمل الروث وإلقاؤه جائز ولو ألقي في الأرض، ولكن أخذه ولو من نفس الأرض وتسميد الأرض به حرام. لأنه انتفاع، فالانتفاع من حيث هو حرام، فالموضوع ليس احتيالاً على الدليل ولا بحثاً عن فتوى، وإنما هو فهم للنص الشرعي وعمل بمدلول النص الشرعي وتقيد به. والنص الشرعي يقول: (رجس)، ثم يقول: (فاجتنبوه)، ويقول: (فاجتنبوا الرجس)، والنص الشرعي هو أن الرسول عليه السلام قد أمر بإراقة النجاسات ورميها، ونهى عن الانتفاع بالنجاسات، فيجب التقيد بهذا النص الشرعي، والنص الشرعي هو أن الرسول عليه الصلاة والسلام قد نعى على اليهود لاحتيالهم بالانتفاع بما نهوا عنه، فقال عليه الصلاة والسلام: (لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فجملوها فباعوها وأكلوا ثمنها). 
فيجب عدم الاحتيال على ما حرمه الله، وما دام النص الشرعي يدل على طرح النجاسات، وعلى إراقة المائعات النجسة، ويحرم النجاسات كلها تحريماً عاماً ينهى عن الانتفاع بها، وينعى على من يحتال على الانتفاع بما حرم، فإنه لا يصح أن ينتفع بالنجاسات بأي نوع من أنواع الانتفاع.









سادســـــــاً



جواز قبول الهدية من دولة كافرة






قبول الهدية من دولة كافرة أو من فرد كافر جائز شرعاً، وهذا ليس رأياً اجتهادياً، ولا أظن أن أحداً على درجة من العلم بالأحكام الشرعية يخالف في ذلك لأن النص الوارد في هذا الحكم يدل بمنطوقه عليه، وليس من حاجة إلى الاجتهاد في فهم النص. 

ورد عن علي رضي الله عنه قال: (أهدى كسرى لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقبل منه، وأهدى له قيصر فقبل منه، وأهدت له الملوك فقبل منها). 
وفي حديث عن بلال المؤذن قال: انطلقت حتى أتيته (يعني الرسول صلى الله عليه وسلم) وإذا أربع ركائب مناخات عليهن أحمالهن، فاستأذنت فقال لي: (ألم تر الركائب المُناخات؟ فقلت: بلى، فقال: إن لك رقابهن وما عليهن، فإن عليهن كسوة وطعاماً أهداهن إليّ عظيم فدك، فاقبضهن واقض دينك ففعلت). 
وعن عامر بن عبد الله بن الزبير قال: قدمت قتيلة ابنة عبد العزى بن سعد على ابنتها أسماء بهدايا ضباب وإقط وسمن وهي مشركة، فأبت أسماء أن تقبل هديتها وتدخلها بيتها، فسألت عائشة النبي صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى: (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين...) الآية. فأمرها أن تقبل هديتها وأن تدخلها بيتها. 
إن قيصراً وكسرى وعظيم فدك أهدوا للنبي صلى الله عليه وسلم وقبل منهم هداياهم، وكل واحد منهم رئيس دولة، فهو حينما يتصرف إنما يتصرف باسم الدولة، وكذلك الرسول صلى الله عليه وسلم، فقبول الرسول الهدية من قيصر أو كسرى أو من عظيم فدك، هو قبول لها من دولة كافرة، وقبول أسماء الهدية من أمها قتيلة المشركة بأمر من الرسول هو قبول لها من فرد كافر، فالهدية أو الهبة التي يراد منها التعبير عن الصداقة والمودة أو حسن الجوار تقبل ولا شيء في قبولها، وكما يجوز قبولها يجوز رفضها. 
أما الهدية أو الهبة من دولة كافرة تريد من الهدية أن تحقق أمراً من الأمور التي تضر بالمسلمين فتمنع عملاً بالقاعدة القائلة: (كل فرد من أفراد المباح إذا أوصل إلى ضرر يمنع)، كما هي الحال في المنح والهبات التي تقدمها أمريكا والدول الكبرى للدول المتخلفة.








سابعاً



جواز أن تكون المرأة عضوا في مجلس الشورى




وكذلك غير المسلم






الشورى حق لجميع المسلمين على الخليفة، فلهم عليه أن يرجع إليهم في أمورهم التي تجب فيها المشورة، قال تعالى:(وأمرهم شورى بينهم)[5]، وقال أيضاً: (وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله)[6]، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يستشير المسلمين ويرجع إليهم في كثير من الأمور، وكان يختار سبعة من الأنصار وسبعة من المهاجرين على أساسين: 

أولهما: أنهم نقباء عن جماعتهم بغض النظر عن كفايتهم ومقدرتهم. 
وثانيهما: أنهم ممثلون عن المهاجرين والأنصار. 
والغرض الذي وجد من أجله أهل الشورى هو التمثيل للناس، والتمثيل للأفراد وللجماعات وللناس غير المعروفين، وهذا لا يتحقق في المجتمعات الكبيرة إلا بالانتخاب، وعلى ذلك فإنه يستنبط من كون أعضاء مجلس الشورى وكلاء في الرأي، ومن كون العلة التي وجد من أجلها مجلس الشورى هو التمثيل للأفراد والجماعات هو الرأي، ومن عدم تحقق هذه العلة في الناس غير المعروفين إلا في الانتخاب العام، يستنبط من ذلك كله أن أعضاء مجلس الشورى ينتخبون انتخاباً، ولا يصح أن يعينوا تعييناً. ولما كان أعضاء مجلس الشورى وكلاء عن الناس في الرأي، لذلك يجوز لكل من تجوز وكالته أن يكون عضواً في مجلس الشورى، إذا وكله الناس في ذلك. ولما كان كل مسلم بالغ عاقل ذكراً كان أو أنثى يجوز له أن يكون وكيلاً جاز أ، يكون عضواً في مجلس الشورى، وتنطبق عليه أحكام الوكالة. وكما أن للمسلم حق الشورى، فإن لغير المسلم الحق في إبداء الرأي في تطبيق الإسلام عليه وفيما يلحقه من ظلم من الحاكم. والفرق بين المسلم وغير المسلم هو أن المسلم له حق الشورى على الخليفة، أي يجب على الخليفة أن يستشير المسلمين، أما غير المسلم فليس له حق الشورى، ولكن إذا رغب الخليفة في أن يستشير غير المسلمين فله ذلك لقوله تعالى: (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون)[7]. ولكن لغير المسلمين الحق في أن يشتكوا من إساءة تطبيق الإسلام عليهم، أو مما يلحقهم من ظلم من الحاكم أو غيره، ولهم أن يوكلوا عنهم من يمثلهم في الرأي، ولكن تمثيله لهم يقتصر على إظهار الشكوى من ظلم الحاكم، أو من عدم تطبيق الإسلام عليهم تطبيقاً حسناً. 
ولما كان غير المسلم يجوز له أن يكون وكيلاً عن المسلم وغير المسلم، وعضوية مجلس الشورى وكالة عن الناس في الرأي فيجوز أن ينتخب من المسلمين ومن غير المسلمين، وأن يبدي الرأي وكالة عنهم ولكن في الحد الذي ذكرناه. 
وأما بالنسبة للمرأة فإنه علاوة على أن أحكام الوكالة تكفي للدلالة على أن لها أن تكون عضواً في مجلس الشورى إذا أحرزت شروط النجاح بنيلها أصوات المنتخبين، فإن هناك أدلة أخرى تجيز لها ذلك، وهو أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما التقى بأهل النصرة من أهل المدينة وبايعهم بيعة الحرب، كان معهم امرأتان بايعتا رسول الله صلى الله عليه وسلم كما بايعه الرجال، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أخرجوا لي اثني عشر نقيباً يكونون على قومهم بما فيهم كفلاء)، وهذا أمر منه للجميع بأن ينتخبوا من الجميع اثني عشر شخصاً، ولم يخصّ الرجال ولم يستثنِ النساء، لا في من يَنتخب، ولا في من يُنتخب. والمطلق يجري على إطلاقه ما لم يرد دليل التقييد، والعام يجري على عمومه ما لم يرد دليل التخصيص، وهنا جاء الكلام عاماً ومطلقاً، ولم يرد أي دليل للتخصيص أو التقييد، فدل على أن الرسول أمر المرأتين أن تنتخبا النقباء، وجعل للمرأتين حق انتخابهما من المسلمين نقيبتين. 
وأما قول الرسول: (ما أفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة) فكان إشارة إلى تولية الفرس لابنة أحد ملوكهم. فالموضوع موضوع حكم، وأما مجلس الشورى فليس من الحكم وإنما هو من أجل إعطاء الرأي في المشاكل التي تعترض الخليفة أو تعترض المسلمين.








ثامنـــــــــاً




الملكية العامة









الملكية العامة هي إذن الشارع للجماعة بالاشتراك في الانتفاع بالعين، والأعيان التي تتحقق فيها الملكية العامة هي الأعيان التي نص الشارع على أنها للجماعة مشتركة بينهم، ومنع من أن يحوزها الفرد وحده، وهذه تتحقق في أنواع ثلاثة، هي: 

1- ما هو من مرافق الجماعة بحيث إذا لم تتوفر لبلدة أو جماعة تفرقوا في طلبها. 
2- المعادن التي لا تنقطع. 
3- الأشياء التي طبيعة تكوينها تمنع اختصاص الفرد من حيازتها.





أما ما هو من مرافق الجماعة فهو كل شيء يعتبر من مرافق الناس عموماً، وقد بينها الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث من حيث صفتها لا من حيث عددها، فعن أبي خراش عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المسلمون شركاء في ثلاث: الماء والكلأ والنار)، رواه أنس من حديث ابن عباس فيه: (وثمنه حرام). وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يمنع الماء والكلأ والنار). وفي هذا دليل على أن الناس شركة في الماء والكلأ والنار، وأن الفرد يمنع من ملكيتها. 

والرسول صلى الله عليه وسلم أباح الماء في الطائف وخيبر للأفراد أن يمتلكوه، وامتلكوه بالفعل لسقي زروعهم وبساتينهم، فلو كانت الشركة للماء من حيث هو لا من حيث صفة الاحتياج إليه لما سمح للأفراد أن يمتلكوه. فمن قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (المسلمون شركاء في ثلاث: الماء والكلأ والنار) ومن إباحته للأفراد أن يمتلكوا الماء، تستنبط علة الشراكة في الماء والكلأ والنار، وهي كونه من مرافق الجماعة، وهي التي لا تستغني عنها الجماعة، فيكون الحديث ذكر الثلاث ولكنها معللة لكونها من مرافق الجماعة، وعلى ذلك فإن هذه العلة تدور مع المعلول وجوداً وعدماً، فكل شيء يتحقق فيه كونه من مرافق الجماعة يعتبر ملكاً عاماً، سواء أكان الماء والكلأ والنار أم لا. وضابط ما هو من مرافق الجماعة هو أنه كل شيء إذا لم يتوفر للجماعة تفرقت في طلبه، كمنابع المياه، وأحراش الاحتطاب، ومراعي الماشية، وما شابه ذلك. 
أما المعادن فهي قسمان: قسم محدود المقدار، وقسم غير محدود المقدار، 
أما الأول فيملك ملكية فردية ويعامل معاملة الركاز وفيه الخمس، فعن عمرو بن شعيب المزني سأل الرسول صلى الله عليه وسلم عن اللقطة توجد في الطريق العامر أو قال الميثاء- أي طريق مسلوكة يأتيها الناس، فقال: عرّفها سنة فإن جاء صاحبها وإلا فهي لك، قال: يا رسول الله فما يوجد في الخراب العادي؟ قال: فيه وفي الركاز الخمس. 
وأما الثاني فهو في غير المحدود المقدار الذي لا يمكن أن ينفد، فإنه ملكية عامة، ولا يجوز ملكه فردياً، لما روي عن أبيض بن حمال أنه استقطع رسول الله صلى الله عليه وسلم الملح بمأرب، فلما قيل: يا رسول الله؛ أتدري ما أقطعته له؟ إنما أقطعت له العِدّ. قال: فرجعه منه. وفي رواية عن عمرو بن قيس المأربي قال: استقطعت رسول الله صلى الله عليه وسلم معدن الملح بمأرب فأقطعنيه، فقيل: يا رسول الله؛ إنه بمنزلة الماء العِدّ. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فلا إذن). 
فلما كان الملح من المعادن فإن رجوع الرسول عن إقطاعه لأبيض يعتبر علة لعدم ملكية الفرد وهو كونه معدناً لا ينقطع، وليس كونه ملحاً لا ينقطع، ومن هذا الحديث يتبين أن علة المنع في عدم إقطاع معدن الملح كونه عِدّاً، أي لا ينقطع، ويتبين من رواية عمرو بن قيس أن الملح هنا معدن، حيث قال: (معدن الملح). ويتبين من استقراء كلام الفقهاء أنهم جعلوا الملح من المعادن، فيكون الحديث متعلقاً بالمعادن لا بالملح، فيشمل المعادن كلها، الظاهرة وغير الظاهرة، والسائلة والجامدة، كالملح والياقوت والكحل والذهب والفضة والحديد والنحاس والرصاص والنفط ومشاكلها. 
أما الأشياء التي طبيعة تكوينها تمنع اختصاص الفرد بحيازتها فهي الأعيان التي تشتمل على المنافع العامة، وهي وإن كانت من المرافق العامة إلا أن طبيعتها أنه لا يتأتى فيها أن يملكها الفرد، بخلاف القسم الأول أي المرافق العامة، فإنه يتأتى أن يملكه الفرد، ولهذا فإن هذا القسم وإن كان دليله انطباق العلة الشرعية عليه، وهي كونه من مرافق الجماعة فإن حقيقة واقعه تدل على أنه ملكية عامة، وهذا يشمل الطرق والأنهار والبحار والبحيرات، والأقنية العامة، والخلجان والمضائق ونحوها، كما يشمل المساجد والمدارس للدولة ومستشفياتها والملاعب والملاجىء ونحوها. 
ولما كانت قناة السويس من الممرات العامة فهي ملكية عامة، ينطبق عليها ما ينطبق على الملكية العامة، ولكن الدكتور يعلق على هذا الرأي ويقول: إن حزب التحرير يقول إن الممرات المائية بما فيها قناة السويس ممرات عامة، وأنه لا يجوز منع أية ناقلة من المرور فيها، ولكنه لم يُشِرْ إلى مكان هذا الرأي؛ إن كان موجوداً في كتاب أو نشرة كما هي عادته أن يذكر الكتاب والصفحة، ويذكر النشرة وتاريخ صدورها، وإنما ذكر هذه العبارة بصدد إنكاره على الحزب جواز دفع غرامة مادية لدولة كافرة، ففهم أنه يعتبر الرأي رأياً خاطئاً، ولكن ما ذنب الحزب إذا كان هو –أي الدكتور- يفهم الأمور على طريقته الخاصة، ويضيف لها ما ليس منها لتسعفه على الانتقاد الكاذب. 
نعم إن الحزب يقول بأن قناة السويس من الممرات العامة، ولكنه لا يقول بعدم منع أية ناقلة من المرور بالقناة بحجة أن القناة ملكية عامة، لا يقول ذلك لأن الملكية العامة ليست كما فهمها الدكتور، بأنها ملكية عامة لجميع الشعوب والأمم. 
إن الملكية العامة من المفاهيم الإسلامية وليست من المفاهيم الرأسمالية أو الاشتراكية التي هي بمعنى الدولية. بل هي ملكية عامة لأمة واحدة تحكمها دولة واحدة لا يفصل بين شعوبها حد ولا يحول دون لقائهم وتجوالهم في أقطارهم وضع، فكل واحد من الرعية له الحق في أن ينتفع بالملكية العامة كغيره من الناس الذين يحملون التابعية للدولة. أما من ليسوا من رعايا الدولة فينظر، فإن كانوا داخل بلاد المسلمين ودخلوا بإذن الدولة فيسمح لهم بالارتفاق بالمرافق العامة بالقدر الذي حُدّد لهم في إذن الدخول، وأما إن كانوا خارج بلاد المسلمين فيمنعون من الإرتفاق بها إلا إذا أذنت لهم الدولة بالدخول وبالقدر الذي حدّده الإذن. فإن دخلوا بغير إذن الدولة فليسوا آمنين على أرواحهم ولا على أموالهم، سواء أكانت الممرات مائية أم برية أم جوية، وإذن فمعنى الملكية العامة هي أنها ملكية عامة للأمة الإسلامية ضمن حدود الدولة الإسلامية الواحدة، وليست ملكية عامة لجميع الشعوب والأمم. فالبترول في بلاد المسلمين ملكية عامة فقط للمسلمين، ولا يعني أن كونه ملكية عامة للأمريكان أن ينتفعوا به ولا يمنعون لا هم ولا غيرهم من الانتفاع به، وقناة السويس جزء من بلاد المسلمين فهي ملكية عامة لجميع رعايا الدولة الإسلامية، فلا يمنع أحد من رعاياها من المرور بها، ولكن كونه ملكية عامة لا يعني أنه لا يمنع اليهود والفرنسيون من المرور بها، بل يمنع كل من ليس من رعايا الدولة من المرور بها إلا بإذن، والحزب حينما يقول: لا يجوز منع أية ناقلة من المرور بها، يعني أية ناقلة للمسلمين أو لمن هم رعية من رعايا الدولة الإسلامية، وليس أية ناقلة، بدليل أن الملكية العامة مفهوم إسلامي وليس مفهوماً بالمعنى الدولي، أي بمعنى أنها مياه دولية.







تاسعــــــــاً




طلــــب النصـــرة









يعلق الدكتور على الحزب بأنه أخطأ في اعتماده على القوى الذاتية للوصول إلى الحكم دون أن يشترط فيها غير الاقتناع الفعلي بالفكرة مستشهداً ـ أي الحزب ـ خطأ بأن الرسول صلى اله عليه وسلم كان يطلب النصرة من القبائل. ثم تابع يقول : فالرسول حينما بايع بيعة العقبة إنما بايع أناساً آمنوا بالإسلام أيماناً عميقاً واستعدوا لكل ما ينجم عن ذلك من تبعات وتكاليف، وأرسل معهم مصعب بن عمير يعلمهم أحكام الإسلام ويربيهم عليها ويأخذهم بها فأصبحوا بذلك قوة ذاتية لإسلام، وكوّنوا مع المهاجرين القاعدة الصلبة التي قام عليها الإسلام الشامخ. يضاف إلى أن الحزب باكتفائه بشرطه ذاك يمكن أن يكون التوريط من قبل تلك القوى، وربما الاحتواء أو التدمير فيما لو تمكنت من الحكم أو السلطة. 

انتهى التعليق





والجواب على ذلك هو أن القوى غير الذاتية بالنسبة إلى الحزب قوتان: أحداهما من المسلمين أما الثانية فمن غير المسلمين. وأما بالنسبة للرسول فالقوة غير الذاتية غير الذاتية هي قوة القبائل في عهده وهي من غير المسلمين. أما الحزب فلم يطلب النصرة من غير المسلمين وإنما يطلبها من المسلمين فحسب والمسلمون وإن كانت قوتهم قوة ذاتية للإسلام، إلا أنها ليست قوة ذاتية خاصة للحزب، لأن الإسلام ليس وقفاً على الحزب، فهناك فئات كثيرة تحمل الإسلام وتدعو له، أما في عهد الرسول صلى الله عيه وسلم فكان الإسلام مقصوراً عليه لاختصاصه بنزول الوحي عيه ولأنه الرسول المختار لتبليغ الإسلام، وليس للحزب قوة ذاتية خاصة لأن المراد بالقوة هو القوة التي تستطيع أن تأخذ الحكم متى شاءت. ولو كانت له قوة ذاتية لأخذ الحكم من غير أن يطلب النصرة من أحد، وكذلك الرسول صلى الله عليه وسلم لم تكن له قوة ذاتية توصله إلى أخذ الحكم، وإلا لما طلب النصرة من القبائل. 

أما استشهاد حزب التحرير على طلب النصرة من قوى غير ذاتية يطلب الرسول النصرة من القبائل فهو استشهاد صحيح، لأن القبائل كانت قوى غير ذاتية للرسول. وذلك بدليل ما رواه إسحاق قال: 
لما هلك أبو طالب نالت قريش من رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأذى ما لم تكن تنال منه في حياة عمه (أبو طالب)، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف يلتمس النصرة من ثقيف، والمنعة بهم من قومه، ورجاء أن يقبلوا منه ما جاء به من الله عز وجل، فخرج إليهم وحده. (سيرة ابن هشام) 
قال ابن إسحاق: فحدثني يزيد بن زياد عن محمد بن كعب القرظي قال: لما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف عمد إلى نفر من ثقيف هم يومئذٍ سادة ثقيف وأشرافهم وهم إخوة ثلاثة: عبد ياليل بن عمرو بن عمير، وعندهم امرأة من قريش من بني جمح، فجلس إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاهم إلى الله وكلمهم وعرض عليهم نفسه. بما جاءهم له من نصرته على الإسلام والقيام معه على من خالفه من قومه (سيرة ابن هشام)
قال ابن إسحاق: ثم قدم رسول الله مكة وقومه أشد ما يكونون عليه من خلافه وفراق دينه إلا قليلاً مستضعفين ممن آمن به، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه في المواسم إذا كانت، على قبائل العرب ويدعوهم إلى الله ويخبرهم أنه نبي مرسل ويسألهم أن يصدقوه ويمنعوه حتى يبين لهم عن الله عز وجل ما بعثه به. (السيرة)
قال ابن إسحاق: وحدثني الزهري انه أتى بني عامر بن صعصعة فدعاهم إلى الله تعالى وعرض عليهم نفسه، فقال له رجل منهم يقال له بحيرة بن فراس بن صعصعة، والله لو أني أخذت هذا الفتى من قريش لأكلت به العرب، ثم قال: أرأيت إن نحن بايعناك على أمرك ثم أظهرك الله على من خالفك، أيكون لنا الأمر من بعدك؟ قال: (الأمر لله يضعه حيث يشاء) فقال له: أفنهدم نحورنا للعرب دونك، فإذا أظهرك الله كان الأمر لغيرنا. (السيرة) 
من مجموع هذه الروايات عن ابن إسحاق يتبين بما لا يدع مجالاً للشك أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يطلب النصرة من قبائل العرب ولم يكونوا يومئذ من القوى الذاتية له. فهل كانت ثقيف من القوى الذاتية له حينما خرج إليهم يطلب النصرة منهم؟ وهل كان بنو عامر بن صعصعة من القوى الذاتية له حينما دعاهم إلى الله عز وجل وعرض عليهم نفسه, واشترطوا عليه أن يكون لهم الأمر من بعده فرفض ؟ 
فالعبرة بأنهم قوة ذاتية له أو غير ذاتية, حين الطلب , ولو اسلموا في الحال. وأما بعد الموافقة على طلب النصرة, فأمر طبيعي أن يثقفهم ويعتني بهم كأصحابه , وكذلك الذين ياوفقون على نصرة الحزب، فإن الحزب يعتني بهم ويعلمهم الأحكام ويربي ناصريه على الإسلام. ولا يشترط عليهم غير الاقتناع بالفكرة التي هي تسليمه الحكم، بخلاف ما كان الحال عليه أيام الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد كان يدعوهم أول ما يدعوهم إلى الإيمان بالله تعالى لأنهم كفار، أما الذين يطلب الحزب منهم النصرة فهم مسلمون. 
وأما البيعة التي أشار إليها الدكتور، وأنه صلى الله عليه وسلم أرسل مع أهلها مصعب بن عمير يعلمهم الإسلام فلم تكن على النصرة، وإنما كانت على الإسلام، وتسمى في السيرة (بيعة النساء) ولكن البيعة على النصرة كانت بيعة العقبة الثانية، وهي بيعة حرب. وكذلك قول الدكتور بأنهم بعد تثقيفهم بالإسلام أصبحوا قوة ذاتية له، ليس صيحاً لأن الرسول لم يعتبرهم كذلك، وإلا لما بايعهم بيعة العقبة الثانية، ولما قال لهم: (اختاروا لي منكم اثني عشر نقيباً، يكونون على قومهم بما فيهم كفلاء). أي بما في قومهم من مخالفة للإسلام، لأنهم لم يكونوا جميعاً قد أسلموا، وإن كان أكثرهم مسلمين. ثم لِمَ يبايعهم؟ ولم يبايع المهاجرين؟ وليس من سبب إلا لأن المهاجرين هم فقط كانوا القوة الذاتية له. لذلك لم يبق لتعليق الدكتور من مبرر.









عــــــاشراً




الزواج من المحارم









ورد في كتاب العقوبات لعبد الرحمن المالكي صفحة 205 عبارة تقول: (من تزوج بإحدى محارمه المؤبدة يسجن عشر سنوات)، ولكن الدكتور نقل هذه العبارة فحرف كلمة تزوج، ونقلها في كتابه (زنا) ثم قال في تعليقه: "ويقولون في كتاب العقوبات لعبد الرحمن المالكي ص 205 (بأن من زنا بإحدى محارمه المؤبدة كالأم والأخت يسجن عشر سنوات) بينما الحكم الإسلامي فيمن زنا بأجنبية معروف: الرجم للمحصن والجلد للعزب، فكيف بالزنا في المحارم؟ ".

انتهى التعليق. 
والجواب على ذلك من شقين: 
أولاً: أن هناك فرقاً بين العبارتين، العبارة الموجودة في كتاب العقوبات ونصها: (من تزوج بإحدى محارمه) والعبارة التي حرفها الدكتور في كتابه الطبعة الأولى ونصها: (من زنا بإحدى محارمه) فالزنا بالمحارم يختلف عن الزواج. 
ثانياً: يختلف حكم الزاني بإحدى محارمه عن حكم المتزوج بإحدى محارمه، أما الأول فحكمه الرجم إن كان محصناً والجلد وتغريب عام إن كان غير محصن. وأما الثاني فحكمه التعزير فقط، ولا يُحَدّ، وذلك لأن عقد الزواج شبهة يدرأ بها الحد، لقوله صلى الله عليه وسلم: (ادرأوا الحدود بالشبهات)، والتعزير عقوبة موكولة إلى الخليفة فهو الذي يقدرها ويعينها بحيث تكون رادعة. وهذا الحكم ليس استنباطاً جديداً، بل هو رأي للإمام أبي حنيفة، فقد قال رحمه الله فيمن تزوج امرأة محرمة عليه وهو يعلم بأنه لا يُحَدّ، وإنما يُعاقب عقوبة تعزيرية، واستدل بالحديث التالي: (أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل، فإن دخل بها فلها المهر لما استحل من فرجها)، فمع الحكم ببطلان النكاح أسقط الحد به، وقال أبو حنيفة رحمه الله: هذا دليل على ن صورة العقد مسقطة للحد وإن كان -أي العقد- باطلاً شرعاً. وهذا الرأي موجود في كتاب المبسوط، الجزء التاسع صفحة 85.







حادي عشــــر




البـــاروكــــة









أورد الدكتور نصاً من نشرة جواب سؤال 2 محرم لسنة 1392هـ. والنص هو ما يلي: 

(وأما لبس الباروكة أو البنطال أو الجلباب أو غير ذلك من الحياة العامة وليس متعلقاً بالحياة الخاصة فإنها إن لم تطعه المرأة لم تكن ناشزاً) انتهى. (وكذلك إذا أمرها إلا تحضر مهرجاناً أو مؤتمراً عاماً فإن لم تطعه فإنها لم تكن ناشزاً) انتهى النص. 
تعليق الدكتور
يعلق الدكتور فيقول: بينما ورد في نفس النشرة: لو أمرها أن تغلق النافذة فرفضت فإنها تعتبر ناشزاً. وينبغي أن نشير هنا أن لبس الباروكة محرم في الإسلام، فقد لعن الله الواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة، كما ثبت في صحيح البخاري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والواصلة هي التي توصل شعرها بشعر غيرها، أو توصل شعر غيرها بشعر آخر كالتي تضع الباروكة. وروى البخاري بإسناد عن عائشة رضي الله عنها أن جارية من الأنصار تزوجت، وأنها مرضت فتمعط شعرها، وأرادوا أن يصلوها، فسألوا النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (لعن الله الواصلة والمستوصلة). وجاء في صحيح البخاري أن امرأة اسمها أم يعقوب جاءت إلى ابن مسعود بعد أن سمعته يقول: لعن الله الواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة فقالت له: إنه بلغني أنك لعنت كيت وكيت، فقال: وما لي لا ألعن من لعن رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، قالت: إني أرى أهلك يفعلونه، قال: اذهبي فانظري، فذهبت فنظرت، فلم تجد من حاجتها شيئاً، فقال: لو كانت كذلك لما جامعتها. ألا ترى أن ابن مسعود اعتبر زوجته ناشزاً بفعلها هذا تستحق عليه التأديب بالهجران لها في الفراش كما قال تعالى: (واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن، فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً). 
انتهى التعليق
تناول تعليق الدكتور موضوع الباروكة من وجهين: 
1- قارن بين أمر الرجل زوجته بعدم حضور مهرجان أو مؤتمر عام أو لبس الباروكة، وأن عدم إطاعتها له لا يجعلها ناشزاً، وبين أمره لها بإغلاق النافذة وأنها تكون ناشزاً حال عدم طاعتها له، فلسان حال الدكتور يقول: إذا كان مخالفة الزوجة له في عدم إغلاق النافذة يجعلها ناشزاً فإنه من باب أولى أن تكون ناشزاً حال مخالفتها لأمره بعدم حضور مهرجان أو مؤتمر عام أو بلبس الباروكة. 
2- أنه اعتبر لبس الباروكة حراماً اندراجاً تحت حكم الواصلة، وكون الزوجة خالفت أمر زوجها في ارتكاب الحرام فيلزم من ذلك أن تكون ناشزاً.





ولتوضيح ذلك نقول: 

إن حضور مهرجان أو مؤتمر عام وإغلاق نافذة بيت أو فتحها من المباحات شرعاً ولكل من الرجال والنساء أن يباشر وها. وطلب الرجل من زوجته عدم حضور مؤتمر عام أو مهرجان هو طلب امتناع عن فعل مباح، وطلبه منها إغلاق نافذة البيت هو طلب فعل مباح. ولكن لماذا تكون المرأة ناشزاً إذا عصته في عدم إغلاق نافذة البيت، ولا تكون ناشزاً إذا عصته بحضور مؤتمر عام أو بخروجها لابسة الباروكة، مع أن حضور المؤتمر وإغلاق النافذة من المباحات؟ 
للمرآة حياة خاصة وحياة عامة، أما الحياة الخاصة ففي داخل بيتها وفي المكان الذي يحتاج دخوله إلى إذن لقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتى تستأذنوا وتسلموا على أهلها)، وهي في حياتها الخاصة يباح لها أن تكون متبذلة، فتظهر بعض عورتها، كانكشاف رأسها أو ظهور عنقها أو فتحة قميصها، وقد تلبس فستاناً قصيراً أو شفافاً ما لم يكن في البيت من هو أجنبيّ بالنسبة لها. 
وأما الحياة العامة ففي خارج بيتها وفي الأماكن التي لا يحتاج دخولها إلى إذن، كالأسواق والمساجد والساحات العامة، والطرقات والحقول والمحلات التجارية والحدائق العامة وغير ذلك من الأماكن. 
وفي الأماكن العامة يجب أن يكون لباسها لباساً شرعياً، ولا يجوز لها التبدل. 
أما الحياة الخاصة وكل ما هو من شؤون الزوجية فهو حق الزوج على زوجته، وتجب طاعته في كل ذلك بينما الحياة العامة وما ليس من شؤون الزوجية فهو حق من حقوقها، فلها أن تعمل في التعليم وفي الزراعة، ولها أن تتاجر أو أن تعمل طبيبة أو غير ذلك في حدود فكرة (مجتمع النساء منفصل عن مجتمع الرجال) إلا لحاجة يقرها الشرع. 
والنشوز هو عصيان الزوجة لزوجها، وليس هو مخالفة أوامر الله ونواهيه، فإذا أمر الزوج زوجته ولم تطعه كانت ناشزاً، وله في هذه الحال معاقبتها ولا تجب عليه حينئذ نفقتها، فإذا رجعت عن النشوز يصبح لا حق له أن يعاقبها، وتجب حينئذ لها النفقة. 
قلنا إن النشوز هو مخالفة الزوجة أوامر زوجها ونواهيه، ولكن هل يطّرد ذلك في كل أوامره ونواهيه؟ 
الحق أنه لا يطرد، لأن النشوز هو مخالفة أوامر الله ونواهيه فيما يتعلق بالحياة الخاصة وفيما يتعلق بأمور الزوجية. لأنها من حقوق الزوج على زوجته، أما ما عدا ذلك فلا يعتبر نشوزاً. فما هو من الحياة العامة وما ليس من الشؤون الزوجية لا يدخل في النشوز، فإذا أمرها بإحضار الطعام له، أو بستر عورتها أمام الرجال الأجانب أو بأن تلبس لباساً أنيقاً، أو أن لا تفتح نافذة البيت، أو أن لا تخرج من بيته أو غيره مما يتعلق بالحياة الخاصة أو ما يتعلق بأمور الزوجية فإن الشرع أوجب عليها طاعته في ذلك وإلا كانت ناشزاً. 
أما ما لا يتعلق بالحياة الخاصة أو شؤون الزوجية فليس له إلا أن يأمرها، فإن أطاعته كان بها، وإن لم تطعه لا تعتبر ناشزاً، وليس له حق في عقوبتها، فإذا أمرها بالحج أو أمرها بإخراج زكاة أموالها، أو نهاها عن صلة رحمها أو أمرها بالجهاد أو نهاها عن أن تذهب إلى الصلاة في المسجد مع الجماعة، أن من أن تحضر محاضرة فلم تطعه لا تكون ناشزاً. 
ولما كان فتح نافذة من نوافذ البيت أو إغلاقها من الحياة الخاصة كانت طاعة أمر الزوج واجبة فإذا عصته الزوجة في ذلك كانت ناشزاً ,وأما لبس الباروكة أو البنطال أو الجلباب أو غير ذلك من الحياة العامة فإنها إذا لم تعطه لا تكون ناشزاً، لأن هذه الملابس تلبس خارج البيت وليست متعلقة بالحياة الخاصة. 
ولا يقال أنه إذا كان مخالفتها لأمره في عدم إغلاق النافذة يجعلها ناشزاً فإنه من باب أولى أن تكون ناشزاً حال مخالفتها لأمره بما هو أكبر كلبس الباروكة لا يقال ذلك لأن هذا يقال لو عصته في كشف عورتها أمام الرجال الأجانب أو رفضت أن تلبس له لباساً أنيقاً أو رفضت أن تحضر له طعاماً، لأن هذه الأمور من جنس أخلاق النافذة أي من الأمور التي من حق الزوج على زوجته أن تطيعه فيها، لأنه أما من الحياة الخاصة أو من الشؤون الزوجية. أما لبس الباروكة أو البنطال أو الجلباب فليست من الحياة الخاصة أو الشؤون الزوجية، وإنما هي من الحياة العامة التي هي من حق الزوجة، فهي من جنس آخر. 
هذا من حيث الوجه الأول، وأما الوجه الثاني فقد اعتبر الدكتور لبس الباروكة حراماً اندراجاً تحت حكم الواصلة، واعتبر المرأة ناشزاً ًلكونها خالفت أمر زوجها في عملها الحرام بلبسها الباروكة.
أما أنها ناشز لأنها قامت بفعل محرم فليس ذلك سبباً كافياً لأن تكون المرأة ناشزاً، ولا حكماً مطّرداً، فالنشور هو عصيان الزوجة لزوجها، وليس مخالفة أوامر الله ونواهيه، فلبس المرأة البنطال والخروج به إلى السوق حرام، وامتناعها عن دفع زكاة مالها وعدم ذهابها للحج مع قدرته عليه حرام كذلك، ولكنها لا تكون ناشزاً بسبب ذلك. والشرع لم يجعل للزوج حق عقوبة الزوجة على ترك الفروض أو المحرمات. وإنما جعل ذلك للدولة وحدها، وما جعله للزوج من حق العقوبة هو أن يعاقبها على نشوزها بعقوبات معينة بينها فقال تعالى: (واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطنعكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً) وقصر ذلك على الحياة الخاصة وما كان من الشؤون الزوجية. 
أما أن لبس الباروكة حرام قياساً على الواصلة أو اندراجها تحت حكمها العام لتشابه الواقعين واقع توصيل الشعر , وواقع لبس الباروكة فرأى يحتاج نقاش. 
أما أن لبس الباروكة حرام قياساً على الواصلة فهذا يحتاج إلى معرفة العلة في الأصل (أي نص الحديث)، ثم التأكد من [أن] نفس العلة موجودة في لبس الباروكة. 
ذكر العلماء في شرحهم الحديث أن وصل الشعر لتزيين المرأة أو للزيادة في تزيينها حرام، وكذل وصل الشعر للتدليس، أي إيهام الرجال بجمال المرأة، فيكون وصل الشعر وصفاً مفهماً، أي يفهم منه أن وصل الشعر للتزيين، فتكون علة منع وصل هو كونه يزيد في جمال المرأة وفي تزيينها، ولكنها علة قاصرة، وليست مطّردة وإلا لكان كل من تجملت من النساء لزوجها بالرائحة الطيبة أو بأحمر الشفاه، أو بلبس الحلي أو بالاكتحال لكانت ملعونة. والعلة القاصرة لا يقاس عليها غيرها، ولذلك تبقى حرمة وصل الشعر مقصورة على ما ورد في الحديث. 
وأما أن لبسها حرام اندراجاً تحت حكم الواصلة لتشابه الواقعين: واقع وصل الشعر وواقع لبس الباروكة، فهذا يحتاج إلى تحقيق المناط في الوصل وفي لبس الباروكة. أما وصل الشعر فيكون بربط الشعر المستعار بالشعر الأصلي، ويعمل منهما ضفائر للرأس يوهم بكثرة شعر المرأة. وأما الباروكة فهي مستقلة تماماً عن شعر الرأس، فهي كالقبعة، وتستعمل غطاء للرأس، سواء أكانت فوق شعر الرأس مباشرة أو فوق شيء يغطي شعر الرأس، فهي ليست مرتبطة بشعر الرأس، فواقعها غير واقع وصل الشعر، ولذلك لا تندرج تحت حكم الواصلة، فحرمة لبس الباروكة لا يكون بقياسها على الواصلة، ولا باندراجها تحت حكم الواصلة، ولكن المرأة المسلمة في الحياة العامة يجب أن تلبس جلبابها أو ملحفة غير شفافة تغطي جميع بدنها من منكبها إلى أطراف أصابع قدمها، وأن تلبس خماراً يغطي جميع رأسها وعنقها وفتحة قميصها، وأن لا يظهر عليها من زينتها غير الوجه والكفين، وأن لا تحاول أن تظهر ما يخفى من زينتها، وأن لا يكون لباسها هذا لافتاً للنظر، فإن خالفت شيئاً من ذلك كانت آثمة. والباروكة وإن كانت غير عورة –لأنها ليست من شعر المرأة- ولا تندرج تحت حكم الواصلة ولا تقاس عليها؛ ولكنها إظهار لزينة المرأة، فإذا كانت ملفتة للنظر فهي تبرج، لأن التبرج هو إظهار الزينة بشكل لافت للنظر، والتبرج حرام، أما وصل اشعر والذي قال فيه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (لو أن زوجته فعلته لما جامعها) فهو من الحياة الخاصة، وفي الحياة الخاصة إذا أمر الزوج زوجته بشيء وخالفته كانت ناشزاً، وله الحق أن يعاقبها بالعقوبات التي وردت في الآية، من العظة والهجر في الفراش والضرب، بخلاف الباروكة؛ فهي من الحياة العامة والمخالفة في ذلك تتولاها الدولة. 
ولكن ليس معنى ذلك أن يبقى الزوج ساكتاً وإنما ينهاها عن ذلك، وإلا كان مشاركاً لها في الإثم، لكنها إن أبت، فليس له أن يعاقبها عقوبة النشوز.







ثـــــــاني عشر



رائد الفضاء ومن يوجد في القطبين






يقول الدكتور بصدد الحديث عن الحزب: وهم يُسقطون الصوم والصلاة عن رائد الفضاء وعن سكان القطبين الذين يكون نهارهم ستة أشهر، وليلهم كذلك، ويعطي الدكتور رأيه فيقول: بأن عليهم أن يقدروا الوقت قياساً على تقدير الناس للوقت عند ظهور المسيح الدجال.

انتهى التعليق. 
ولتوضيح ذلك نقول: 
الحكم الشرعي هو خطاب الشارع المتعلق بأفعال العباد بالاقتضاء أو التخيير أو الوضع. والخطاب هو توجيه ما أفاد إلى المستمع أو من في حكمه بحيث يقع خطاباً لموجود قابل للفهم، إلا أن الخطاب هو عين ما أفاد وليس توجيه ما أفاد، فنفس المعاني التي تضمنتها الألفاظ والتراكيب هي الخطاب. 
والاقتضاء معناه الطلب، والطلب ينقسم إلى طلب فعل وطلب ترك، وطلب الفعل إن كان جازماً فهو الإيجاب أو الفرض، وإن كان غير جازم فهو المندوب أو السنة أو النافلة، وطلب الترك إن كان جازماً فهو التحريم أو الحظر، وإن كان غير جازم فهو الكراهة، وأما التخيير فهو الإباحة، أما خطاب الوضع فهو جعل الشيء سبباً أو مانعاً أو شرطاً أو صحيحاً أو باطلاً أو رخصة أو عزيمة. وبناء على هذا التعريف يكون خطاب الشارع قسمين: خطاب التكليف وخطاب الوضع.








خطاب التكليف


هو خطاب الشارع المتعلق بالاقتضاء أو التخيير، أي هو التعلق بطلب الفعل أو طلب الترك أو التخيير بين الفعل والترك، فإذا كان الخطاب متعلقاً بطلب الفعل طلباً جازماً فهو الواجب ويرادفه الفرض. والواجب هو الذي يُذمّ شرعاً تاركه قصداً مطلقاً. أما إذا كان خطاب الشارع متعلقاً بطلب الفعل طلباً غير جازم فهو المندوب، ويرادفه في العبادات السنة. والمندوب ما يُحمَد فاعله شرعاً ولا يُذمّ شرعاً تاركه، ويسمى أيضاً نافلة. وإذا كان خطاب الشارع متعلقاً بطلب ترك الفعل طلباً جازماً فهو الحرام، ويرادفه المحظور. والحرام هو الذي يُذمّ شرعاً فاعله. أما إذا كان خطاب الشارع متعلقاً بطلب الترك طلباً غير جازم فهو المكروه، وهو ما يُمدَح شرعاً تاركه ولا يُذمّ شرعاً فاعله. وإذا كان خطاب الشارع متعلقاً بالتخيير بين الفعل والترك سواء نص على التخيير صراحة أو كان يفهم منه التخيير من صيغة الطلب، كأن جاء بعد النهي في حكم واحد في حالتين مختلفتين فإنه يكون للإباحة ولو جاء بصيغة الأمر.








خطاب الوضع


إن الأفعال الواقعة في الوجود قد جاء خطاب الشارع وبيّن أحكامها من حيث الاقتضاء أو التخيير، وجاء خطاب الشارع ووضع لهذه الأحكام ما تقتضيه من أمور يتوقف عليها تحقق الحكم أو يتوقف عليها إكماله، أي إنها وضعت لما يقتضيه الحكم الشرعي فخطاب الشارع كما يرد بالاقتضاء والتخيير يرد بما يقتضيه الاقتضاء والتخيير، وذلك بجعل الشيء سبباً أو بجعله شرطاً أو بجعله مانعاً أو بجعله صحيحاً أو باطلاً أو بجعله عزيمة أو رخصة. وإذا كان خطاب الاقتضاء والتخيير أحكاماً تعالج فعل الإنسان فإن خطاب الوضع يعالج تلك الأحكام ومتعلقاتها. فخطاب كلٍّ من الاقتضاء والتخيير أحكام لفعل الإنسان، وخطاب الوضع أحكام لتلك الأحكام، فتكسبها أوصافاً معينة، وكونها كذلك لا يخرجها عن كونها متعلقة بأفعال الإنسان، لأن المتعلق بالمتعلق بالشيء متعلق بذلك الشيء أيضاً. فيكون الاضطرار سبباً في إباحة الميتة، وزوال الشمس أو غروبها أو طلوع الفجر سبباً في إيجاب تلك الصلوات وما أشبه ذلك، كل ذلك خطاب من الشارع متعلق بالحكم وهو إباحة الميتة وإيجاب الصلاة، ومن هنا كان السبب من خطاب الوضع. وكون الحول شرطاً في إيجاب الزكاة، والرشد شرطاً في دفع مال اليتيم إليه، كل ذلك خطاب من الشارع متعلق بالحكم، ومن هنا كان الشرط من خطاب الوضع، وهكذا. فخطاب الوضع يتعلق بأمور تقتضيها الأحكام المتعلقة بأفعال العباد، وهو خمسة أقسام:






1- السبب



2- الشرط




3- المانع




4- الصحة والبطلان




5- العزائم والرخص



وهذه الخمسة هي أحكام الوضع، وهي أحكام لمعالجة الأحكام المتعلقة مباشرة بأفعال العباد، وذلك بالحكم عليها بالصحة أو البطلان أو الرخصة أو العزيمة، أو بكونها واجبة الوجود أو ممنوعة الوجود. 
ولما كانت المسألة التي نحن بصددها متعلقة بالسبب والمانع من أحكام الوضع، لذلك نعطي فكرة موجزة عن السب والمانع لنرى بعدئذ أثر هذين الحكمين على خطاب الاقتضاء المتعلق بالصوم والصلاة.










السبب


السبب هو كل وصف ظاهر منضبط دل الدليل السمعي على كونه معرفاً لوجود الحكم لا لتشريع الحكم، كجعل زوال الشمس أمارة معرفة لوجود الصلاة في قوله تعالى: (أقم الصلاة لدلوك الشمس)، وقوله عليه الصلة والسلام: "إذا زالت الشمس فصلوا"، وليس هو أمارة لوجوب الصلاة، وكجعل طلوع هلال رمضان أمارة معرفة لوجود صوم رمضان، وفي قوله تعالى:(فمن شهد منكم الشهر فليصمه)، وقوله صلى الله عليه وسلم: "صوموا لرؤيته". وهكذا فالسبب ما يلزم من وجوده وجود ويلزم من عدمه العدم، فطلوع هلال رمضان يلزم منه الصوم، وعدم طلوعه يلزم منه عدم الصوم.








المانع


المانع هو كل وصف منضبط دل الدليل السمعي على أن وجوده اقتضى علة تنافي الشيء الذي منعه، وذلك مثل الدين فإنه مانع من وجوب الزكاة مع اكتمال النصاب وحلول الحول. والموانع قسمان: أحدهما يمنع من الطلب والأداء، كزوال العقل بنوم أو جنون، فإنه يمنع طلب الصوم والصلاة والبيع ويمنع من أدائها. والثاني ما يمكن اجتماعه مع الطلب مثل الأنوثة فإنها تمنع من طلب صلاة الجمعة، ولا تمنع أداءها، وكذلك جميع أسباب الرخص هي موانع من الطلب لا من الأداء.








أثر السبب في خطاب الشارع



المتعلق بالصوم والصلاة



حين طلب الشارع من العباد أداء الصوم والصلاة جعل لهما أوقاتاً محددة لا تتقدمانها ولا تتأخران عنها، فالصوم جعل له وقتاً يؤدى فيه وهو شهر رمضان، وجعل هلال رمضان أمارة دالة على وجود الصوم لا على وجوبه، فهو دائم الوجوب ولكنه لا يوجد، أي لا يؤدى إلا بدخول وقته لقوله تعالى: (فمن شهد منكم الشهر فليصمه)، ولو أُدِّيَ فإنه لا يجزئ ولا يُبرئ، والصلاة جعل لها أوقاتا خمسة، وأداء الصلاة حسب هذه الأوقات عزيمة، أي حكم من أحكام الوضع، ولا يجوز أداء الصلاة المفروضة قبل دخول وقتها ولا بحال من الأحوال إلا أن يكون رخصة، كالجمع بين صلاتي الظهر والعصر، أو المغرب والعشاء، وذلك في حالتي السفر والمرض، وهذا رخصة، والرخصة حكم من أحكام الوضع، وما عدا ذلك فيبقى الحكم فيه هو العزيمة وهو الحكم العام، وأوقات الصلاة تختلف في بلد عنها في بلد آخر حسب طول النهار وقصره، ولما لم تكن أوقات الصلاة محددة بالساعات المعينة، وإنما هي أوقات محددة بظواهر طبيعية متكررة توجد ما وجد ليل أو نهار يلزم بالعمل بحسبها كل من كان في الأرض التي تظهر فيها، أما من كانوا في مكان أو أمكنة لا تظهر فيها هذه الظواهر الطبيعية والتي هي أمارات دالة على وجوب وجود الصوم أو الصلاة، فلا يلزمون بأداء الصوم أو الصلاة لعدم وجود أسبابها التي هو الأوقات، والسبب ما يلزم من وجوده وجود ويلزم من عدمه العدم، وهو حكم شرعي من أحكام الوضع ويجب العمل به ولا تجوز مخالفته. 
والأوقات بالنسبة لرائد الفضاء والمقيم في مركز القطب ليس طارئة عليهم، وإنما مجيئهم هم لها أمر طارئ تماماً كالشخص الذي ينتقل إلى بلد يختلف فيها الوقت في بلده الأول فيسير حسب توقيت البدل الجديد، ولا يجوز له أن يظل على توقيت بلده الأول، لأن العبرة ليست بالساعات وإنما العبرة بالأمارات الدالة على دخول الوقت، فما لم يدخل الوقت الذي يوجب وجود الصلاة ويكون سبباً في وجودها لا توجد الصلاة، أي لا تُؤدَّى إلا إذا كانت نفلاً، فلرائد الفضاء ولمن هو في مركز القطبين حينئذ أن يصلي ما شاء، لأن أوقات النوافل غير محددة. 
أما طروء الوقت فقد ورد نص في تقديره وهو وقت ظهور المسيح الدجال، وخاصة في أيامه التي ليست كبقية الأيام، في يومه الذي كسنة، والذي كشهر والذي كأسبوع، والحديث الذي استدل به الدكتور لا يصلح للاستدلال، لأنه ليس عاماً في كل وقت، بل هو خاص في موضوع معين، ولمعالجة الوقت في زمن معين، فهو في موضوع ظهور المسيح الدجال، ولمعالجة الوقت في أيامه فلا تتعداه إلى غيره، وليست علاجاً لوقت الصلاة قبل ظهور الدجال ولا لما بعد زوال ظهوره، والنهار الذي يبلغ طوله أربعاً وعشرين ساعة مرة واحدة في السنة على جميع الدائرة القطبية، والنهار الذي يصل إلى ستة أشهر في مركز الدائرة القطبية، موجود قبل ظهور الدجال، وسيظل موجوداً بعد زوال ظهوره، ولم يضع الله لوقت الصلاة والصوم فيه علاجاً خاصاً به، بل جعل الأوقات التي عينها عامة في كل زمان وفي كل مكان. 
قد يقال إن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب؛ لأن طول النهار أيام المسيح الدجال سيكون حادثة جديدة والحديث الوارد فيه عام، فهو عام فيه وفي غيره؛ لا يقال ذلك لأن الحديث إنما هو نص معين جاء في موضوع معين، (وهو ظهور المسيح الدجال) ولمعالجة وقت معين (هو وقت ظهور المسيح الدجال) ولمعالجة وقت معين (هو وقت الصلاة في الأيام التي تكون غير عادية أثناء ظهور المسيح الدجال) وليس علاجاً لما قبل ظهور الدجال، لأن ما قبل الدجال عولج بما هو موجود، ولا لما بعد الدجال، فالرسول صلى الله عليه وسلم عندما ذكر الدجال؛ وأن يوماً من أيامه كسنة، وآخر كشهر، وثالث كأسبوع، سأله الصحابة ماذا يفعلون، قال: (قدروا له)، فالتقدير للوقت وارد في موضوع معين، وجواب على سؤال خاص في موضوع معين هو ظهور المسيح الدجال. وجواب السؤال إنما هو في موضوع السؤال وليس عاماً في كل شيء، أي هو لذلك الموضوع في تلك الحادثة فقط. فقاعدة العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب لا تشمل موضوع السؤال، إذ إن عموم اللفظ في خصوص السبب إنما هو عموم في موضوع الحادثة أو السؤال وليس عموماً في كل شيء. ومثاله ما روي عنه عليه السلام أنه سئل عن الربا في مختلفي الجنس فقال: (لا ربا إلا في النسيئة)، فإنه خاص في الموضوع الذي سئل عنه، وهو الربا في مختلفي الجنس، وليس عاماً في جميع الربا، لأن الربا يحصل في متَّحِدَي الجنس في الحال وفي النسيئة، ومثاله عن أم سلمة قالت: كنت ألبس أوضاحاً من ذهب فقلت: يا رسول الله، أكنزٌ هو؟ فقال: (ما بلغ أن تُؤدَّى زكاته فليس بكنز)، والأوضاح معناه الحلي، والجواب خاص في الموضوع الذي سئل عنه وهو الحلي وليس عاماً في الذهب، إذ قالت: كنت ألبس أوضاحاً من ذهب، فالمسؤول عنه هو الأوضاح من الذهب وليس الذهب، فيكون الجواب خاصاً به، تماماً مثل سؤال الرسول عن الربا في مختلفي الجنس وليس عن الربا، فيكون الجواب خاصاً في موضوع السؤال وهو الأوضاح من الحلي. 
وسؤال الرسول صلى الله عليه وسلم عن الوقت أثناء ظهور الدجال، هو خاص في الوقت عند ظهور الدجال وليس عاماً في كل وقت، بل هو عام في كل وقت في نفس الموضوع، سواء أكان الوقت في اليوم الذي كسنة أو اليوم الذي كشهر أو اليوم الذي كجمعة، وعند ظهور الدجال ليس غير. 
والله تعالى جلت حكته حينما وضع الأمارات الدالة على دخول وقت الصلاة والصوم إنما وضعها أمارات ليهتدي بها الإنسان لهذه الأوقات على الأرض التي يعيش عليها عيشاً طبيعياً، وليست على الأرض التي ليست محل عيش للإنسان، ولا يستطيع أن يعيش عليها إلا بمقدار قضاء غرضه الذي جاء إليها من أجله، كرائد الفضاء الذي لا يستطيع أن يمكث على ظهر القمر ساعة لو لم يكن مجهزاً بمكيفات تمنعه من الحر والقر، وكذلك الذي يقيم في مركز الدائرة القطبية.



ثـــــــالث عشر



العقائد لا تؤخذ إلا عن يقين










إن العقائد لا تؤخذ إلا عن يقين، وإنه يحرم أخذها عن طريق الدليل الظني، وهذا أمر يدعو الاعتزاز، ويشير إلى مدى الحرص على سلامة العقيدة إذ لم تدخل العقائد الفاسدة على المسلمين إلا يوم أن أخذوا بالأدلة الظنية وجعلوا العقيدة محل اجتهاد، لأن الاجتهاد يكون في الأحكام الشرعية العملية، وهذه يجوز الاستدلال عليها بالأدلة الظنية، والظن هو ترجيح أحد الاحتمالين، فالمجتهد إن اجتهد بأن رجح أحد الاحتمالين فأخطأ فله أجر، وإن اجتهد فأصاب فله أجران، ولكن المجتهد في العقيدة لا يؤجر ولا يعذر، ويجوز تقليد المجتهدين في الأحكام، وكذلك الانتقال من الأحذ برأي مجتهد إلى الأخذ برأي غيره. ولا يجوز ذلك في العقيدة، بل يحرم لقول الله تعالى: (إذ قال لأبيه وقومه ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون، قالوا وجدنا آباءنا لها عابدين)، الأنبياء. 
لما تسرّب البحث إلى الأمور الاعتقادية دخل البحث في الذات والصفات ويوم المعاد وبعض أحوال اليوم الآخر، فوجدت مسألة القضاء والقدر ومسألة خلق القرآن، ووجد مذهب المعتزلة فتأولوا واجتهدوا فاشتطوا وزاغوا، فكفر بعضهم وابتدع بعضهم، وهكذا وجدت الأضاليل والأباطيل عندما دخل الاجتهاد العقيدة واستدل عليها بالأدلة الظنية، وأصبحت محل بحث ونظر واجتهاد. 
والعقائد التي وردت في حديث جبريل عليه السلام وطلب الإيمان بها، هي العقائد الأساسية وهي ستة: 
1- الإيمان بالله
2- وملائكته
3- وكتبه
4- ورسله
5- واليوم الآخر
6- والقدر خيره وشره
وهذه أدلتها قطعية، ولم يختلف المسلمون فيها. وأما بقية العقائد فهي فرعية، فما ثبت منها بالدليل القطعي فهي عقيدة، ولم يختلف المسلمون فيها أيضاً، كالإيمان بأن الموت سببه انتهاء الأجل، وكالإيمان بأن الرزق بيد الله. 
وأما المسائل المختلف في كونها عقيدة أو غير عقيدة، فهي التي أدلتها أخبار آحاد، فمن قال بأن خبر الآحاد يصلح دليلاً على العقيدة يعتبرها عقائد، ومن قال بأن خبر الآحاد لا يصلح دليلاً على العقيدة فلا يعتبرها عقائد.
هناك فرق بين العقيدة والحكم الشرعي، فالعقيدة طلب الشارع التصديق بها تصديقاً جازماً، وأما الحكم الشرعي فقد طلب الشارع القيام به ولم يطلب التصديق. فالإيمان بالملائكة، والإيمان بيوم القيامة، لا يتأتى القول بـ : هل يعمل بها أو لا يعمل، لأن المطلوب التصديق بها لا العمل، وإذا كان هناك عمل فهو ليس عملاً بها، وإنما هو عمل بما يترتب عليها، كالإيمان بيوم الحساب إذ يترتب عليه الخوف من عذاب الله، فيترك المعاصي. والقيام بالصلاة وبالبيع وبترك الربا لا يتأتى القول بهل يؤمن بهذه الأحكام أو لا يؤمن، لأن المطلوب فيها القيام بالعمل لا الإيمان. فالعقيدة غير الحكم الشرعي، ودليلها غير دليله، فدليلها يشترط فيه أن يكون قطعياً، ودليله لا يشترط فيه ذلك، لهذا يعمل بخبر الآحاد في الأحكام الشرعية ولا يعمل به في العقيدة. 
إن من يلاحظ العقائد المختلف فيها؛ أي التي دليلها ظني، لا يجد للإيمان بها أو لعدم الإيمان بها نتائج ذات أهمية في الحياة العملية تقتضي نزاعاً بين المختلفين فيها، أو يمنعهم من السير جنباً إلى جنب في العمل بالأحكام الشرعية، فالذي يؤمن بعذاب القبر لا يتطلب منه إيمانه أي يفعل شيئاً أو يترك شيئاً، أي إنه لا يترتب على إيمانه أو عدم إيمانه شيء ما. 
والذي يؤمن بنزول عيسى عليه السلام لا يتطلب منه إيمانه أ، يفعل شيئاً أو أن يترك شيئاً، وكذلك الذي لا يؤمن بنزوله، فلا إيمان الأول يكلفه القيام بعمل جديد، ولا عدم إيمان الثاني يعفيه من عمل قديم. 
أما إيمان الإنسان بالحساب يوم القيامة وإن كان لا يطلب منه أن يعمل شيئاً، ولكنه يجعله يمتنع عن الكذب مثلاً أو الظلم لئلا يعذب عليه يوم القيامة، والذي لا يؤمن بحساب بوم القيامة، لا يمتنع عن الكذب أو ارتكاب الفواحش إذا كان يرغب في ذلك، لأنه لا يخشى معاقبة عليه، ولذلك فالاختلاف في العقائد التي أدلتها أخبار آحاد لا قيمة له من ناحية عملية ولا حاجة إلى كل هذه الضجة المفتعلة. 
لماذا لم يضجوا على العلماء السابقين الذين قالوا بهذا الرأي، كالإمام العز بن عبد السلام، والإمام القرافي، والإمام النووي، والإمام الغزالي، والإمام السرخسي، والإمام البغدادي، وابن برهان، وابن عبد البر، وابن حجر العسقلاني؟ ولماذا لم يفتعلوا هذه الضجة على بعض العلماء المعاصرين كالإمام القاسمي، والشهيد سيد قطب –رحمه الله-؟ فهل كل هؤلاء الأئمة –على رأي الدكتور- لا قيمة لهم؛ أو هم من الضعفاء المغمورين؟ أو أنهم أئمة هذا العلم وجهابذة هذا الفن؛ ويشار إليهم بالبنان؟ 
ومن أراد الاطلاع على آراء هؤلاء الأئمة فليرجع إلى كتبهم، أو ليرجع إن شاء إلى كتاب (الاستدلال بالظني) لفتحي محمد سليم. 
جاء في كتاب (التبصرة) للفيروز آبادي الشيرازي، صفحة 298 مسألة 6 ما نصه: أخبار الآحاد لا توجب العلم أي مطلقاً سواء حفت بها القرائن أم لم تحفّ، وهذا مذهب الأكثرين كما قال الغزالي والآمدي وابن الحاجب إلا أن الشيرازي يستثني من أخبار الآحاد ما تلقته الأمة بالقبول، ويذهب فيه إلى أنه يفيد علماً استدلالياً كما أشار إلى ذلك في اللمع صفحة 40 سواء عمل به الجميع أو عمل به البعض، وتأوله البعض، لأن تأويلهم له دليل على قبوله، وخالفه الجمهور في هذا وذهبوا إلى أنه لا يفيد العلم والقطع بالصدق، سواء عمل به الجمع أو البعض وتأوله البعض، انظر الإحكام 2/40، وجمع الجوامع 2/152-154 حاشية العطار، وانظر المستصفى 1/145 بولاق، المنخول صفحة 252، والمنتهى لابن الحاجب صفحة 05 وجاء في كتاب (المنخول من تعليقات الأصول للغزالي) صفحة 254 في إثبات الخبر الواحد مفيداً للعمل، وذهب بعض المحدثين إلى أنه يفيد العلم، وهذا محال إذ لا يجب صدقه عقلاً ولا نقلاً، وإذا جاز كذبه فلا علم بالصدق. 
وجاء في كتاب (الإحكام في أصول الأحكام) للآمدي صفحة 224 "اختلفوا في الواحد العدل إذا أخبر بخبر هل يفيد خبره العلم؟ ذهب قوم إلى أنه يفيد العلم، واختلفوا؛ فقال بعضهم: يفيد العلم بمعنى الظن لا بمعنى اليقين، ومنهم من قال يفيد العلم اليقيني من غير قرينة (مذهب الإمام أحمد) في إحدى الروايتين عنه، ومنهم من اشترط اقتران قرينة به كالنظّام. وذهب الباقون إلى أنه لا يفيد العلم اليقيني مطلقاً؛ لا بقرينة ولا بغير قرينة. 
وورد في (ظلال القرآن) لسيد قطب، الجزء الثامن والعشرون، صفحة 710 قوله: وأحاديث الآحاد لا يؤخذ بها في أمر العقيدة، والمرجع هو القرآن، والتواتر شرط للأخذ بالأحاديث في أصول الاعتقاد. 
ولما كان الدكتور الصادق الأمين كما هي عادته لا يورد أدلة الحزب، وإنما يورد الأدلة المعارضة إن وجدت، لذلك رأيت أن أعرض أدلة الحزب التي اعتمد عليها في تحريم الأخذ بالدليل الظني في العقائد. ورد في القرآن عدد من العقائد لا عقيدة واحدة. 
1- كان المشركون يسمون اللآت والعزى وغيرهما آلهة، ويعتقدون أنها تقربهم إلى الله، وتشفع لهم عنده، لذلك عبدوها من دونه، فقال تعالى في سورة النجم: (أفرأيتم اللآت والعزى ومناة الثالثة الأخرى، ألكم الذكر وله الأنثى، تلك إذاً قسمة ضيزى، إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان، إن تتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس، ولقد جاءهم من ربهم الهدى). 
2- كان الجاهليون يعتقدون أن الملائكة بنات الله وهن إناث، فنعى الله عليهم هذا الاعتقاد المبنيّ على الظنّ، فقال تعالى في سورة النجم أيضاً: (إن الذين لا يؤمنون بالآخرة لَيُسَمّون الملائكة تسمية الأنثى، وما لهم به من علم إن يتبعون إلا الظن، وإن الظنّ لا يُغني من الحق شيئاً). 
3-اعتقد الإنس والجن أن الله لن يبعث بعد عيسى عليه السلام رسولاً يقيم به الحجة على العباد، فوصف الله اعتقادهم هذا بأنه مجرد ظنّ، فقال في سورة الجن: (وأنهم ظنوا كما ظننتم أن لن يبعث الله أحداً). 
4-اختلف اليهود في قتل عيسى عليه السلام، فمن قائل بأنه إله لا يصح قتله، ومن قائل بأنه قتل وصلب، ومن قائل بأنه إن كان هذا هو عيسى فأين صاحبنا؟ وإن كان هذا هو صاحبنا فأين عيسى؟ فنعى الله عليهم هذا الاعتقاد، فقال في سورة النساء: (وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى بن مريم رسول الله، وما قتلوه وما صلبوه ولكن شُبِّهَ لهم، وإن الذين اختلفوا فيه لفي شكّ منه، ما لهم به من علم إلا إتباع الظنّ، وما قتلوه يقيناً). 
5-كان الكثيرون ينكرون قيام الساعة، ويقولون لا ندري أحق هي أم باطل، فقال تعالى في سورة الجاثية: (وإذا قيل إن وعد الله حق والساعة لا ريب فيها قلتم ما ندري ما الساعة إن نظنّ إلا ظناً، وما نحن بمستيقنين). 
6-كان الكفار يعتقدون أن خلق السماوات والأرض لم يكن لأمر صحيح، بل هو مجرد لعب وهزل، فقال تعالى:(وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلاً، ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار). 
7-كان بعض الناس يعتقدون أن الله يعلم كليات الأمور ولا يعلم تفصيلياتها، فذمّهم الله تعالى، فقال في سورة غافر: (وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم، ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيراً مما تعملون، وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين). 
8- اعتقد النصارى أن عيسى ابن الله، فرد الله في سورة يونس عليهم بما يليق باعتقادهم الزائف، فقال تعالى:(قالوا اتخذ الله ولداً سبحانه هو الغني، له ما في السماوات وما في الأرض، إن عندكم من سلطان بهذا، أتقولون على الله ما لا تعلمون). 
هذه الآيات صريحة في ذم من يتبع الظن، وفي ذم من يتبع بغير سلطان، (أي: دليل قاطع)، وذمهم والتنديد بهم دليل على النهي الجازم عن إتباع الظن، وعلى النهي الجازم عن إتباع ما لم يقم عليه الدليل القاطع في العقائد، فالدليل الشرعي يدل على أن الاستدلال بالدليل الظني لا يجوز، غير أن هذا خاص بالعقائد فحسب، ولا يشمل الأحكام الشرعية، وذلك لأن الأحكام الشرعية قد جاء الدليل الشرعي من فعل الرسول صلى الله عليه وسلم وقوله على الاستدلال عليها بالدليل الظني. هذه الآيات وغيرها من أمثالها كثير، وكلها محصورة في العقائد وتدل عليها دلالة قاطعة لا مجال للظن فيها. 
وكذلك الآيات التي جاءت تنعي على من لا سلطان له فأنها في موضع العقائد، وقد وردت كلمتا البرهان والسلطان في موضوع الاعتقاد والإيمان، وهما كلمتان تفيدان القطع والجزم، ولا يأتي أن يكون البرهان قد قام على أثبات شي4ء ألا إذا كان مقطوعاَ به، أما إذا كان الإثبات مظنوناً به لم يكن قد قام البرهان على الإثبات، وعليه فإن أقامة البرهان على الإثبات يحتم أن يكون برهاناً قطعياً. 
على أن الدليل والبرهان لا يطلقان إلا على المقطوع به، والظن لا يكون دليلاً ولا برهاناً، وقد استعمل القرآن كلمتي برهان وسلطان. 
ومن تتبع كل واحدة منهما في جميع آيات القرآن يتبين أن معناها الدليل المقطوع به، قال تعالى: (ومن يدع مع الله إلهاً آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه إنه لا يفلح الكافرون) وقال تعالى : (أم اتخذوا من دونه آلهةً قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين) وقال تعالى: (أإله مع الله قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين) وقال تعالى:(أم لكم سلطان مبين فأتوا بكتابكم إن كنتم صادقين) وقال تعالى: (ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين) وقال تعالى: (الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم إن في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه). إلى غير ذلك من الآيات كلها جاءت بمعنى الدليل القاطع، فالدليل من حيث هو لا يكون إلا قطعياً ولم يستعمله القرآن غلا بمعنى القطعي، وعلى هذا فإنه لما كان دليل العقيدة دليلاً على المسألة المعينة، فإن كونه دليلاً أو برهاناً أو سلطاناً يقضي بأن يكون قطعياً. بينت هذه الآيات بـأنه لا بد من العلم وهو القطع واليقين, ونددت عليهم بالظن فقط, والظن في مدلوله اللغوي هو إفادة الإجتمالين مع ترجيح أحدهما, فكيف يجوز الاستدلال بالاحتمال في الأصول. والأصول لا يجوز أن يتطرق إليها الاحتمال. والآيات القطعية تؤكد ذلك وقد قالوا: ما دخله الاحتمال بطل به الاستدلال. وأما من يقول بأن الآيات تضمنت اتباع الهوى فيكون هذا هو المقصود, وهو تفسير لاتباع الظن الوارد في الآية, تكون الآية ظنية الدلالة. نقول ان إتباع هوى الأنفس جاء معطوفاً على اتباع الظن بالواو وهي تفيد المغايرة, فاتباع الهوى غير الظن قطعاُ، وأمر زائد عليه وليس مفسراً له أو بدلاً منه. وأما من يقول بأن الآيات خوطب بها المشركون, فهي ليست للمسلمين, بل تخبر عن أقوام سابقين: نقول لهم إن خصوص السبب لا يسقط العموم, وهذه قاعدة أصولية, ومعظم الأحكام نزلت في مناسبات ولوقائع معينة, ولكنها عامة وإلى يوم القيامة, مثل آية حكم الظهار فإنها نزلت في حق أوس بن الصامت, وآية اللعان نزلت في حق هلال بن أمية وغير ذلك كثير. 
ولو كان خبر الواحد يفيد العلم, أي اليقين لما كان الرسل في حاجة إلى معجزات يحتجون بها على أقوامهم. ولو كان خبر الواحد يفيد اليقين لكان ما نقل إلينا بطريق الخبر المشهور خبر الواحد كقراءة ابن مسعود قوله تعالى: وعلى الوارث ـ ذي الرحم المحرم ـ مثل ذلك لكانت كلمات (ذي الرحم المحرم) قرآناً, ولكانت جزءاً من الآية 33 من سورة البقرة و لكانت كلمة (متتابعات) في قراءة ابن مسعود في قوله تعالى: فصيام ثلاثة أيام ـ متتابعات قرآناً من سورة المائدة آية 89, تيسير التحرير الجزء3 صفحة 140، وذلك أن ابن مسعود صحابي جليل ومن أوائل الصحابة رضوان الله عليهم. 
سبق وأن قلت أن الاختلاف في العقائد التي أدلتها ظنية لا قيمة له من ناحية عملية لأن إيمان المرء بتلك العقائد لا يجعله يترك عملا كان يفعله، فلا أرى ثمة فائدة في البحث أو الرد على المخالفين، إذ نحن أحوج إلى عمل سريع ومخلص لانتشال هذه الأمة من الواقع المرير الفاسد الذي تتردى فيه ولكسر الأغلال الثقال التي ترزح تحت عبئها.

رابــــــع عشر


مسألة تعريف الروح









يعلق الدكتور على الحزب بأنه يعتمد الفكر في بناء الشخصية الإسلامية وفي إنهاض الأمة، ويعلق على تعريف الحزب لمعنى الروح المأخوذة من الروحانية والناحية الروحية ـ وليست الروح التي هي بمعنى سر الحياة ـ ويقلل من قيمة الفكر. و ينكر أن الروح هي إدراك الإنسان صلته بالله تعالى, ويعرفها تعريفاً خيالياً عاطفياً فيقول بأنها آلة تحقيق هذه الصلة بالله بتحويل الإيمان بالله إلى حقيقة ملموسة يشعر معها المرء برقابة الله في كل آن فيخافه ويتجه إليه, فهو يخلط بين التعريف للروح وبين تأثير هذه الروح. ونقول لمن أراد أن يطلع على تعريف الروح مفصلاً فليرجع على كتاب مفاهيم حزب التحرير.


مناقشة تعليق الدكتور

نقول للدكتور نعم إن الروح هي إدراك الإنسان صلته بالله تعالى, وإدراك الصلة هذا هو الذي يعين موقف الإنسان من العمل الذي تقتضيه هذه الصلة ولتفسير ذلك نقول: 
إذا سألنا شخصاً عن قريب له, فقلنا له ما صلتك بفلان؟ 
فإنه يقول صلتي به صلة قرابة, وإذا سألته عن صلته بصاحب له فإنه يقول: صلة صداقة وحينما تواجه إنساناً وتتذكر صلتك به وأنها صلة رحم وقرابة، تجد نفسك تهشّ إليه وتحترمه وتكرمه وتحسن إليه، لماذا؟ لأن للرحم والقرابة حقهما في الإحسان والاحترام، ولكنك حينما تواجه إنساناً قريباً لك ومن رحمك، ولكنك لا تعرف صلته بك فإنك لا تهتم اهتمامك به لو كنت تعلم أنه قريبك ومن رحمك. فإدراك الصلة هو الذي يعين موقف الإنسان. وأما صلة الإنسان بالله تعالى فليست صلة قرابة ولا صلة رحم ولا صلة صداقة، وإنما هي صلة خَلْق، أي أن صلة الإنسان بالله هو أنه مخلوق لله الخالق. فالإنسان الذي يدرك هذه الصلة يقوم بما توجبه عليه هذه الصلة، فالمخلوق تجب عليه طاعة خالقه فيندفع لأدائها، أما الذي لا يدرك هذه الصلة، أي لا يعرف أنه مخلوق لله، فلا يندفع لأي عمال تجاه الخالق. ولهذا نفرق بين المؤمن والكافر فنقول بأن المؤمن فيه روح –أي يدرك أنه مخلوق لله، فيقوم بالأعمال التي يقتضيها الإيمان-. وأما الكافر فلا روح فيه– أي : لا يدرك أنه مخلوق لله ولذلك لا يقوم بالأعمال التي يطلبها الله منه-. 
والروح بهذا المعنى ليست جزءاً من الإنسان وإلا لما كان هناك فرق بين المؤمن والكافر. 
أما قول الدكتور بأن الروح هي آلة تحقيق هذه الصلة فيدل على عدم الدكتور، وعلى عدم تفكيره، وذلك لأمور:
أولاً: الدكتور ينكر أن الروح هي إدراك الصلة بالله، ويقول بأنها آلة تحقيق هذه الصلة، نقول للدكتور طالما أن صلة الإنسان بالله هي كون الإنسان مخلوق لله الخالق، فالصلة إذاً متحققة وحاصلة بالإدراك وغير الإدراك وبالآلة وبغير الآلة وفي المؤمن والكافر على السواء، لأن كلاً منهما مخلوق لله تعالى. ولكن المؤمن يختلف عن الكافر بأن المؤمن يدرك هذه الصلة والكافر غير مدرك لها. 
ثانياً: اعتبر الدكتور تحقيق الصلة أمراً مؤثراً يحوّل الإيمان بالله إلى حقيقة ملموسة، ولو كان تحقّق الصلة أمراً مؤثراً يحوّل الإيمان إلى حقيقة ملموسة لحصل ذلك للكافر والمؤمن على حد سواء لأن صلة كل واحد منهما بالله حاصلة ومتحققة. 
والذي يؤسف له أن الدكتور لم يفهم معنى الصلة الوارد في التعريف، وإنما فهم خطأ أن معنى الصلة هو الإيمان بالله مع أن إدراك الصلة هو الإيمان وليس تحقق الصلة، لأن تحقق الصلة حاصل في كل شيء، وصلة كل شيء بالله هو كون هذا الشيء مخلوقاً لله، سواء أكان هذا الشيء حياً كالإنسان والحيوان والنبات، أم كان جماداً كالتراب والحجارة وغيرها. 
ثالثاً: أما آلة تحقيق ذلك فهي الدوافع التي تدفع الإنسان للعمل كالقيام بالصلاة والصيام وكالجهاد، وكالعمل لتغيير الواقع الفاسد أو العمل لإقامة دولة الخلافة، وهذه الدوافع هي أوامر الله ونواهيه، أي الأحكام الشرعية، والاستجابة تكون بحسب هذه الأحكام، فإن كان الحكم فرضاً وجب القيام بالفعل على وجه الفرضية، وإذا كان مندوباً وجب القيام به على وجه الندب، وإذا كان الحكم هو الإباحة خُيّر الإنسان بين الفعل والترك، وإذا كان الحكم هو الحظر أو الحرام لزم ترك الفعل وجوباً، وإذا كان الحكم هو الكراهة يترك الفعل على هذا الوجه. 
أما زيادة الرغبة في القيام بأعمال دون غيرها فراجعٌ إلى الغاية التي يسعى لها الإنسان، فهي التي تجعله يوليها اهتمامه ويكثر منه، فالذي غايته إصلاح الفرد لكي يصلح المجتمع يكثر من الأعمال التي تحقق مقوّمات الفرد الصالح، كالصلاة والذكر وقراءة القرآن، والأخلاق الكريمة والمعاملة الحسنة. والذي غايته إصلاح المجتمع لإنهاض الأمة، يكثر من الأعمال التي تساعد على تحقيق المجتمع الصالح، كتحطيم العلاقات الفاسدة في المجتمع، والعمل على إزالة الأنظمة الفاسدة فيه، وذلك بوضع الأفكار التي تساهم في تحقيق النهضة. 
أما الأعمال التي من شأنها إصلاح الفرد فهي التي تجعل من الفرد درويشاً ناسكاً همه الإكثار من الصلاة والصيام والذكر وقراءة القرآن، ولكنه لا يهتم بما يدور حوله من تآمر على أمته، وتجعل منه إنساناً حيياً ينفذ ما يقوله رئيسه، ويتجه حيث يوجهه ويغلق سمعه عن كل ما يخالف ما تلقّاه عنه، حتى ولو أتيته بدليل قطعي من الكتاب أو السنة يعارض ما هو عليه فلا يأخذ به، فهو معطّل التفكير. هذه الأعمال البعيدة عن الصراع والكفاح تُورثه الجبن والخوف فلا يجرؤ على إنكار المنكر ولا على قول الحق إذا كان يترتب عليه أذى، أو كان يؤثر على وظيفته إن كان موظفاً أو على مركزه أو جاهه إن كان ذا مركز أو جاه. 
أما الأعمال التي من شأنها إصلاح المجتمع فهي التي تجعل من الفرد إنساناً سياسياً مفكراً مدركاً لقضية أمته، مبصراً لطريقته في العمل، متحدياً يقارع الحكام الظلمة ويكشف مؤامراتهم ويسعى جاهداً لإزالة سلطانهم ليقيم النظام الذي تسعد به الأمة في حياتها. هذه الأعمال ثوابها أكثر من ثواب أعمال الدروشة وهي الأعمال التي يقوم بها شباب حزب التحرير. أما كون الدكتور يرى أن هذا العمل لا ثواب عليه ويريد من شباب الحزب أن يتركوها ويتواجدون في المساجد لقراءة القرآن والقيام بالنوافل من العبادات فهو نفس الطلب الذي تطلبه المخابرات منهم أثناء التحقيق معهم. وهو الالتحاق بجماعة الإخوان المسلمين أو جماعة التبليغ والقيام بالصلاة والصيام وإعطاء الدروس في المساجد، ليتحول الشباب إلى دراويش، كأولئك الدراويش الذي حجر الدكتور على عقولهم فمنعهم من التفكير وسخرهم لخدمة أسياده، وأما شباب حزب التحرير فيصلون ويقرآ ون القرآن يحفظونه ويتدبرون معانيه ولكن في بيوتهم وليس في المساجد. والناس تعرف من هم شباب الحزب وتركن إلى رأيهم الفقهي والسياسي، فهي تعرف تماماً أنهم أوعى الناس في المجتمع على السياسة الدولية والمحلية وعلى الإسلام في عقائده وأحكامه ونظامه، وهم كذلك أوعى الناس على من يتخذ الإسلام وسيلة للكسب يشترون به ثمناً قليلاً كالدكتور فبئس ما يشترون.
خامس عشر


دفع الدولة الإسلامية الجزية

لــدولــة كــافـــرة










يعلق الدكتور على إفتاء الحزب بجواز دفع الدولة الإسلامية مالاً لدولة كافرة حال ضعفها لتتقي به شر تلك الدولة, ولا أظن أن الدكتور يجهل مثل هذا الحكم الذي هم الرسول صلى الله عليه وسلم بفعله حينما أتفق مع زعيمي قبيلة غطفان في غزوة الخندق وهو أن يعطيها ثلث ثمار المدينة مقابل أن ينصرفا عن محاربته. ولكن الدكتور أراد أن يثير العواطف لدى السذج من جماعته ومن هو على شاكلتهم. 
قال ابن إسحاق : فلما اشتد على الناس البلاء بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم كما حدثني عاصم بن عمر بن قتادة ومن لا أتهم عن محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهرى، إلى عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر، وإلى الحارث بن عوف أبن أبي حارثة المرى، وهما قائدا غطفان، فأعطاهما ثلث ثمار المدينة على أن يرجعا بمن معهما عنه وعن أصحابه، فجرى بينه وبينهما الصلح، حتى كتبوا الكتاب ولم تقع الشهادة ولا عزيمة الصلح إلا المراوضة في ذلك، فلما أراد رسول الله أن يفعل، بعث إلى سعد بن معاذ وسعد بن عبادة، فذكر ذلك لهما واستشارهما فيه، فقالا له : يا رسول الله أمرا تحبه فنضعه، أم شيئاً أمرك الله به، لا بد لنا من العمل به، أم شيئاً تضعه لنا؟ قال: بل شيء أضعه لكم والله ما أضع ذلك إلا لأنني رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة، وكالبوكم من كل جانب فأردت أن أكسر عنكم من شوكتهم إلى أمر ما، فقال له سعد بن معاذ: يا رسول الله، قد كنا نحن وهؤلاء القوم على الشرك بالله وعبادة الأوثان، لا نعبد الله ولا نعرفه، وهم لا يطمعون أن يأكلوا منها تمرة إلا قرى أو بيعاً، فحين أكرمنا الله بالإسلام وهدانا له وأعزنا بك وبه نعطيهم أموالنا؟ والله مالنا بهذا من حاجة والله لا نعطيهم إلا السيف حتى يحكم الله بيننا وبينهم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فأنت وذاك. 
لم يكن الرسول ليفعل فعلاً حراماً، وإنما يفعل الواجب والمندوب والمباح، ولا يفعل الحرام والمكروه وفعله دليل شرعي، أما كون الصلح لم يتم ولم يعطهم شيئاً فذلك أن المباح هو ما كان الإنسان مخيراً فيه بين الفعل والترك، ولقد هم بالفعل لولا ما لمس من معنوية الأنصار العالية.




سادس عشــــر


أقامة الدولة والعقود الثلاثة

ذكر الدكتور ثلاثة أمور لها علاقة وثيقة بالزمن وقال : بأن الحزب قد أخطأ في تصوره لها فقد مضت المدة ولم يتحقق شيء منها. وهذه الأمور الثلاثة هي : 
1ـ قال الدكتور: يقول الحزب بأنه يأمل أن يصل إلى الحكم خلال ثلاثة عشر عاماً، وأنه يعتبر الحركات الإسلامية فاشلة لأنها لم تستطع أن تقيم الدولة الإسلامية خلال ثلاثة عشر عاماً. هذا القول من الدكتور هو مجرد افتراء على الحزب، وبالرجوع إلى كتاب التكتل وكتاب مفاهيم حزب التحرير تجد ما يقوله الحزب في أسباب فشل الحركات الإسلامية هو أنها أسباب فكرية من جهة وأسباب تكتلية من جهة أخرى وليس لها علاقة بالزمن. 
2ـ قال الدكتور: يقول الحزب بأن التثقيف هذا سيؤدى إلى أن تكون تربة هذه الأمة منبتا طبيعيا لرجل الدولة، ويرى الحزب أن هذه لا يحتاج إلى عشرات السنين، بل لا بد أن ينتج حتماً على يد نفس الجيل الذي يقوم بهذا التثقيف. نعم فقد حصل هذا، وهناك من الشباب من يصلح لأن يكون رجل دولة لو أتيح له أن يمسك زمام الحكم.
3ـ قال الدكتور : يفترض حزب التحرير أن كل فكرة يجب أن تثمر خلال ثلاثة عقود. نعم هذا ورد في كتاب التفكير، ولكنه ليس حكماً شرعياً مستنبطاً من دليل شرعي، وإنما هو رأى مبني على دراسة واقع سياسي، يحتمل التغير فقد يصدق وقد لا يصدق. 
أما الفكرة فقد أثمرت في أمر ونضجت، ولكنها أثمرت ولم تنضج في أمر آخر، فقد أوجدت لدى الأمة اتجاها عاماً نحو الإسلام ورأيا عاماً منبثقاً عن وعي عام وهو أنه لا خلاص لها إلا بالإسلام وإلا بقيام دولة الإسلام، وأوجدت عدداً من أهل النصرة في عدة أقطار قامت بمحاولات لإقامة دولة الخلافة خلال هذه العقود الثلاثة، ولكنها لم تنجح بسبب ما اتخذته الدول المحلية والأجنبية من احتياطات، وما سلكته من أساليب خبيثة لمنع الحزب من الوصول إلى غايته. 
فقد قامت بعدة أساليب، منها: الدعاية المغرضة الكاذبة ضد الحزب، ومنها كتاب من يسمّى بالدكتور صادق أمين، ومنها تجويع أعضاء الحزب بطردهم من أعمالهم ومنعهم من العمل في دوائر هذه الدول وفي مؤسساتها، ومنها حظر نشاط الحزب في جميع البلاد الإسلامية، ومنها اعتقال أعضائه وزجهم في السجون والكتمان على اعتقالهم بحيث لا بعلم عنهم أهلهم شيئاً وخاصة في العراق وسوريا، وعدم السماح بزيارتهم. ومنها سحب جوازات سفرهم حتى لا يتمكنون من الخروج لطلب الرزق أو لطلب العلم، ومنها التعتيم على أخبار الحزب، فلا يذكرون عنه شيئاً، فقد أعدم من شبابه ثلاثة عشر شخصاً منهم أطباء ومعلمون على يد محرّف القرآن العميل القذافي، وأعدم واحد وعشرون ضابطاً من أهل النصرة على يد السفاح البعثي صدام حسين في العراق. ومات تحت التعذيب اثنان في سوريا، وحكم على خمسة عشر شاباً بالإعدام في الأردن، ولم ينفذ الحكم، فلم تذكر عن هؤلاء إذاعة محلية ولا أجنبية، ولم تجرؤ صحيفة ولا وكالة أنباء ولا مجلة أن تذكرهم. ومن الأساليب طرد الآلاف من السعودية والكويت والإمارات العربية والبحرين ودول أوربا الشرقية، ومنها سحب جوازات سفر المئات من الطلاب والموظفين في الخارج وعدم تجديدها لكي يطرد من هو في دولة أجنبية ليأتي إلى بلده لتصفّي المخابرات حسابها معه على نشاطه خارج بلده، ومنها إبقاء بعضهم في السجون لوقت غير محدد قد بلغ العشر سنوات ولمّا يحاكموا. ومنها اجتماعات وزراء الداخلية للدول العربية المتكررة لمقاومة نشاط الحزب الذي استعصى عليهم فلم يتمكنوا من احتوائه ليكون في أيديهم كما هي حال الدكتور وجماعته. هذه الملاحقات والمطاردات وما لحق الأمة من بطش وإرهاب كل ذلك أعاق الحزب عن الوصول إلى إقامة الدولة، ومع هذا فالحزب لا زال جاداً في سيره متحدياً الصعاب للوصول إلى هدفه، ولو كان المجال مفتوحاً لهم في الجامعات والمعاهد والمدارس والمساجد والكثير من المناسبات كجماعة الدكتور لما مضت العقود الثلاثة إلا وقد قامت دولة الخلافة.




الفهرست



الموضوع


الصفحة










المقدمة


2


القتال مع العميل


8


القُبلة


23


حكم شراء تذكرة السفر من الشركات المساهمة


45


جواز أن يكون الكافر قائداً في الجيش


50


حرمة الانتفاع بالمحرم والنجس


55


جواز قبول الهدية من دولة كافرة


61


جواز أن تكون المرأة عضواً في مجلس الشورى وكذلك غير المسلم


63


الملكية العامة


66


طلب النصرة


71


الزواج من المحارم


75


الباروكة


77


رائد الفضاء ومن يوجد في القطبين


86


العقائد لا تؤخذ إلا عن يقين


98


مسألة تعريف الروح


108


دفع الدولة الإسلامية الجزية لدولة كافرة


113


إقامة الدولة والعقود الثلاثة


115


الفهرست


118


روابط اخرى للموضوع
هذا رابط جديد



Link for forums:




انتهى

لا تعليق 
استغفر الله العظيم 
سيرفـــــع 

فلسطيـــن
فـــــــــــــوق




القـــــــــــــــدس 

واســــــوار 
القـــــــــــــــدس


ان شاء الله



تحياتي







مــــدونـــــتـــــي عـــــالــــــمـــي الـــــخـــــاص
ترحب بزوارها,,,,

مدونه البركــــــان
http://msafir2005com.blogspot.com

ليست هناك تعليقات: