الخميس، 11 أغسطس 2011

التاريخ المعماري للمسجد الأقصى.. محاضرة يجب أن تقرأ !!!

 التاريخ المعماري للمسجد الأقصى.. محاضرة يجب أن تقرأ !!!

السلام عليكم
التاريخ المعماري للمسجد الأقصى.. محاضرة يجب أن تقرأ

محيط ـ خاص 
احمد عناني
مسجد قبة الصخرة
ألقى د. رمضان عبد الهادي، المستشار الثقافي للقنصلية الفلسطينية بدبي الذي ولد وتربى على ارض القدس بجوار الأقصى الشريف درس وتأمل وعاصر الواقع الجميل والواقع المر الذي مرت وتمر به الأراضي المقدسة، محاضرة غاية في الأهمية عن التاريخ المعماري للأقصى الشريف وذلك بإدارة التراث العمراني ببلدية دبي، ردا على أحد المستشرقين ويدعى "كرسول"، الذي زعم إن عرب ما قبل الإسلام لم يكن لديهم إلا أفكار باهتة أو بدائية عن البناء والعمارة، وجردهم من كل حسٍ فني أو استنباط معماري ويؤكد أن الدين الإسلامي نشأ في "وادٍ غير ذي زرع"، ولم ينتج حضارة تذكر، واستشهد بزخارف قبة الصخرة في المسجد الأقصى وقال إن زخارفها تتمثل في: 22 % من المصادر الرومانية. 22 % من المصادر البيزنطية. - 55 % من المصادر السورية المسيحية و 1 % لم يحدد مصدره.

يقول د. عبد الهادي لمثل هذه المزاعم وغيرها، أن العرب قد عرفوا أنماطاً عديدة من فنون العمارة، ففي شبه الجزيرة العربية اعتمدوا مواد كالحجر والجبس والخشب وما إلى ذلك من مستلزمات البناء، ويمكن اعتبار بناء الكعبة أحد أبرز هذه النماذج، أما في اليمن فكان للعمارة حديث رائع في مجال بناء السدود والقصور العظيمة، ومنها قصر "عمدان" حيث استعمل اليمنيون الرصاص في أبنيتهم بصهره وصبه بين حجارة الأعمدة وفي أسسها لربطها وتقويتها، واستعمل الجنوبيون القطران في البناء درءًا للرطوبة، ومنعاً لتسرب المياه إلى أسس الأبنية، واتخذوا من الحجارة الملونة أداة للبناء فابدعوا في تنسيقها وكسوا الأبواب والسقوف والأعمدة وبعض الجدران بصفائح الذهب والفضة والحجارة الكريمة وسن العاج والأخشاب الثمينة.
وكان في سد مأرب ومباني سبأ من الرقي العمراني ما يبرهن على عراقة العرب في حضارتهم منذ أقدم العصور، وتتضح خطوات التطور العمراني من خلال ما اكتشفته البعثات الأثرية.
في بلاد الشام، حيث أخذت حضارة كنعان في التقدم في مجالات الحياة منذ 700 - 5000 ق.م، فالكنعانيون أول من اكتشف النحاس الطري وإنتاج البرونز، الذي هو خليط من النحاس والقصدير، وعرفوا الذهب والفضة واستعملوا الحديد في أدواتهم، وبخاصة الأسلحة كالتروس والخناجر والمقذوفات والرماح، كما عرفوا الطرق المرصوفة بالأحجارة والدور والأبنية الجميلة.
كما يدين البشر إلى الكنعانيين باختراعهم الكتابة الأبجدية (الألف بائية)، ونقلوها إلى معظم انحا العالم، حيث نقلها الآراميون إلى شرق آسيا، ونقلها (الفينيقيون إلى الإغريقية واللاتينية)، (كما هو معروف فإن الآراميين والفينيقيين هم جزء من الكنعانيين)، وصارت تعرف في اليونانية باسمها العربي الألف باء Alphabet، ويقول الدكتور ولفنسون: "إن الخط الكنعاني هو من صنع الكنعانيين واختراعهم وحدهم، لأنه لا دليل مطلقاً على وجود أبجدية حرفية من هذا النوع عند غيرهم من الأمم).
وفي الرواية التوراتية، إذ يخاطب إله اليهود موسى قائلاً: "إني سأسوقك إلى مدن عظيمة لم تبنها، وبيوت مملوءة كل خير لم تملأها، وآبار محفورة لم تحفرها وكروم وزيتون لم تغرسها...).
وشرح د. عبد الهادي كيف اشتهر الكنعانيون ببناء القلاع والأسوار، وبناء صهاريج المياه فوق السطوح، وحفر الأنفاق الطويلة تحت الأرض لإيصال المياه إلى داخل القلاع، كما أنشأوا المدن مثل: أريحا وأسدود وعكا وغزة والمجدل ويافا والقدس ونابلس وعسقلان وبيسان وحطين .
وكذلك اشتهروا بالزراعة وصناعة الخزف والزجاج وصناعة الثياب، كما برعوا في فن العمارة، فبنيت منازل الملوك والأغنياء داخل الأسوار من الحجارة المنحوتة باتقان، كما استعملوا الأسرة والكراسي وأدوات المطبخ المتنوعة، وكانت مفاتيح بيوتهم ضخمة تصنع من الخشب أو المعدن وفي كثير من قرى فلسطين والشام مازالت هذه المفاتيح على هذا الطراز.
وإذا استعنا بنصوص القرآن الكريم، حيث يحدثنا عن حضارات الأمم السابقة، فيقول سبحانه وتعالى: إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد . كم تركوا من جنات وعيون وزروع ومقام كريم . قيل لها ادخلي الصرح فلما رأته حسبته لجة وكشفت عن ساقيها قالت أنه صرح ممرد من قوارير. وغير ذلك من الآيات الكثيرة.. فهل تكفي هذه الأدلة لكلِّ منكر...؟؟!
قدسية المكان
المكان : قلب هذا الكون، بيت المقدس أو الأرض المقدسة والزمان : فجر التاريخ . إن الله سبحانه وتعالى أحب من خلقه أشياءً وكرمها وشرفها، وأمرنا بتقديسها وتشريفها!! فقد أحب الله عباداً من خلقه وأمرنا بحبهم. فاصطفى من بين البشر أنبياء ورسل!! وعصمهم عن الخطأ، وأحب الملائكة والشهداء والصالحين . وأحبَّ أزماناً وفضلها، وأحبَّ أماكن وقدسها. وأمرنا أيضاً بتقديسها، فأحبَّ مكة المكرمة وكعبتها المشرفة. وأحبَّ المدينة ومسجدها الشريف، وأحب بيت المقدس. وأحب ليالي وأياماً وجعل لها ميزة على بقية الليالي والأيام . ويطلق وصف القداسة على اصطفاء الله أو اختياره سبحانه. فيقال : الأرض المقدسةُ، أو البشر المعصومون، أو الليلة المباركة.
ومفهوم القداسة ليس صفة مادية توجد في الشيء ويمكن نقلها عن طريق اللمس، إنما حقيقة القداسة تكمن أساساً في المعنى، معنى التوحيد، وسوف نلاحظ انطباق مفهوم التوحيد على كل ما هو مقدس: إن البيت الحرام مقدس؛ لأنه أول بيت وضع للناس وضع لتوحيد الله في الأرض. والمسجد النبوي الشريف والمسجد الأقصى المبارك بقعتان يعبد فيها الأحدُ الصمدُ. والوادي المقدس، هو الوادي الذي كلم فيه الله تعالى نبيه موسى عليه السلام.
وليلة لقدر؛ هي الليلةُ التي نزل فيها القرآن الكريم، وهو اكمل الكتب السماوية للدعوة إلى الله سبحانه وتعالى. هذا هو معنى القداسة، وصلتهما بالتوحيد. وتدور القداسة وجوداً وعدماً حول التوحيد. فكلما علت مرتبة الإنسان في الالتزام الديني، وعرج في معارج التقوى، لابد أن يشتد ارتباطه بالمكان المقدس ليصل إلى حد الوله والعشق له، ويدفعه إلى أن يقصد زيارته والتبرك منه حتى لو كلفه ذلك الكثير من المشقة، لأنها تركز على علاقة الإنسان بربِّه سبحانه وتعالى.
فجعل الله تعالى بيت المقدس والمسجد الأقصى محور تقديس الأنبياء والأولياء في الماضي، ومحور أحداث الدنيا في الحاضر، ومحشر جميع مخلوقات الله يوم التناد.
والمسجد الأقصى هو الاسم الإسلامي، الذي سماه الله تعالى به، فقال: "سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصا الذي باركنا هوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير".
وقيل سمي بالأقصى لبعده عن مكة والمدينة. وكان يعرف ببيت المقدس قبل نزول التسمية القرآنية له، كما في حديث أحمد: "أُتيتُ بالبراق، وهو دابةٌ أبيضُ فوق الحمار ودون البغل، يضع حافره عند منتهى طرفه فركبتهُ، فسار بي حتى أتيتُ بيت المقدس، فربطتُ الدابة بالحلقة التي يَرْبُط فيها الأنبياء، ثم دخلت فصليت ركعتين، ثم خرجت فجاءني جبريلُ - عليه السلام - بإناء من خمر وإناء من لبن، فاخزت اللبن، قال جبريلُ: أصبتَ الفطرةَ ثم عرج بنا إلى السماء الدنيا...".
عاصمة الأنبـياء
احتل بيت المقدس منزلة رفيعة في الإسلام، بعد أن تحولت إلى إرث الأمة الخاتمة، وسكنت في سويداء قلبها.
وبيت المقدس ملجأ الأنبياء والصالحين، يهاجرون إليها، ويحتمون بحماها عند اشتداد الفتن والمحن، فقد هاجر إليها سيدنا إبراهيم الخليل وابن أخيه لوط عليهما السلام لعدم التمكن من إظهار الدين ونشره في العراق.
وخرج موسى عليه السلام، وقومه، تجاه بيت المقدس عندما اشتد به أذى فرعون وجنوده.
ويظل هذا الأثر ملازماً لهذه الأرض، فعن سَلَمَة بن نفيل، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "عقر دار الإسلام بالشام".
وعن عبدالله بن عمرو - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إنِّي رأيتُ كأن عموذَ الكتاب، أُنتزع من تحت وسادتي، فاتبعته بصري؛ فإذا نورٌ ساطع عمد به إلى الشام، أَلا إن الإيمانَ - إذا وقعت الفتن - بالشام".
وقد وصف القرآنُ الكريم أرضَ بيت المقدس بصفات البركة والطهر والقدسية في آيات متعددة، منها: قوله تعالى: "يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله عليكم".
وقال تعالى: "ونجيناه ولوطاً إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين"ويقول ايضا: "سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله".
وعن الإمام ابن تيمية : أن الخلق والأمر ابتدءا من مكة المكرمة أم القرى، فهي أمُّ الخلق، وفيها بدأت الرسالةُ المحمديَّة، وجعل اللهُ بيت المقدس وما حوله محشر خلقه، فإلى بيت المقدس يعود جميع الخلق، وهناك يحشر الخلق.
وبيت المقدس اجتمع فيه الأنبياء - عليهم السلام - وأمَّهم سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - في المسجد الأقصى، فدلَّ ذلك على أنه - صلى الله عليه وسلم - الإمام المعظمُ - وكانت صلاته - صلى الله عليه وسلم - بالأنبياء ليلة الإسراء إقراراً بأن الإسلام كلمةُ اللهِ الأخيرة إلى البشر أخذت تمامها على يَدِ محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - بعد أن وطأها العباد الصالحون من رسل الله الأولين.
وكان في الإسراء دلالةٌ على أن آخر صبغة للمسجد الأقصى في شرع الله، هي الصبغة الإسلامية، فاستقر نسب المسجد الأقصى إلى الالتصاق بالأمة التي أمَّ رسولها سائر الأنبياء .
عمارة الأقصى قبل الإسلام
متى بُني المسجد الأقصى؟ ومن بناه؟
شغلت هذه المسألة العلماء والمؤرخين المسلمين، ووصفوا لتفسيرها عدة فرضيات مدعومة بقرائن واستقراءات من القرآن والحديث الشريف، وانقسمت إلى ثلاثة أقوال هي: الملائكة هم من بنوا المسجد الأقصى. سيدنا آدم - عليه السلام.. سيدنا إبراهيم - عليه السلام..
والرأي الأول ضعفه كثير من العلماء، مرجحين أن يكون البشر هم بناة المسجد لا الملائكة، فالملائكة لهم بيتهم وبناؤهم في السماء، وهو البيت المعمور المقابل للكعبة المشرفة على الأرض. وبذلك نستبعد الرأي الأول..
وبالاستناد إلى الحديث الشريف.. عن أبي ذرٍ قال: قلت يا رسول الله: أي مسجدٍ وضع في الأرض أول؟
قال المسجد الحرام، قلتُ : ثم أي؟ قال: المسجد الأقصى. قلت: كم بينهما؟ قال: أربعون سنة" متفق عليه. أي أن المسجد الأقصى بني بعد بناء المسجد الحرام بأربعين سنة.
وكلمة "وضع" التي جاءت في الحديث الشريف فإنها تؤشر بوضوح على معنى التسمية والتحديد لتلك البقعة المباركة، وتخصيصها بكونها مسجداً لله دوناً عما جاورها من الأرض.
أصحاب الرأي القائل أن إبراهيم - عليه السلام - هو الباني للمسجد الأقصى، يستدلون على ذلك، بأن القرآن الكريم ذكر قصة بناء الكعبة المشرفة على يد إبراهيم - عليه السلام - يقول الله تعالى: "وإذ يرفع إبراهيمُ القواعد من البيت إسماعيل ربنا تقبل منا أنك أنت السميع العليم" (البقرة 127).
لكن الآية الكريمة أساس الاستدلال تقطع بوضوح أن سيدنا إبراهيم - عليه السلام - حين بنى الكعبة رفع قواعد كانت موجودة أصلاً في المكان، فكان بناء إبراهيم - عليه السلام - للكعبة بناء تجديد، وليس بناء إيجاد من العدم، ومما يعزز هذا الرأي قوله عز وجل: "ربنا إني أسكنت من ذريتي بوادٍ غير ذي زرع عند بيتك المحرم، ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوى إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون" (إبراهيم 37).
وقوله: "بيتك المحرم"، دليل على وجود الكعبة المشرفة، في ذلك الوقت . ونستبعد فرضية بناء سيدنا إبراهيم للمسجد الأقصى، ويثبت أن المسجد بُني قبله عليه السلام.
وترجح فرضية بناء آدم - عليه السلام - للمسجد الأقصى بوحي من الله تعالى.
وفي بحث للدكتور هيثم الرطروط نشرته مجلة دراسات بيت المقدس في عددها الصادر عام 2005، اكتشف تشابهاً هندسياً تاماً بين بناء الكعبة المشرفة وبناء المسجد الأقصى المبارك، وباستخدام برامج هندسية ثلاثية الأبعاء وبإهمال المساحتين المختلفتين للكعبة والمسجد الأقصى، أوضح الدكتور هيثم بالخرائط والصور تطابقاً تاماً في زوايا البنائين الأربعة، مما يدعم فرضية بناء آدم عليه السلام للمسجدين وتحديد حدودهما بوحي من الله عز وجل، وهي الحدود التي مازال المسجد الأقصى يحتفظ بها إلى يومنا هذا بواقع 144 دونماً .
فالشكل الهندسي لكل من المسجد الأقصى والكعبة المشرفة، هو الشكل المختلف الاضلاع، وهو من الأشكال النادرة الاستعمال في مجال التصميم المعماري للمباني. لأن هذا الشكل لا يوجد فيه ضلع يساوي أو يوازي أي من الأضلاع الأخرى لنفس الشكل.
كما أن النسب الهندسية لكل من المسجدين "تقريباً" متطابقة وتتساوى مع "النسبة الذهبية"، والتي تعتبر من أجمل النسب الهندسية على الإطلاق.
النسبة المتوسطية ما بين طول الحرم القدسي إلى عرضه هي 1.59 .
النسبة الحقيقية ما بين الضلع القبلي إلى الضلع الشرقي للحرم القدسي 1.67 . 
باحة المسجد الأقصى

إذاً: النسبة الهندسية تتوافق تقريباً مع النسبة الذهبية والتي تساوي 1.61. وسميت بذلك لأنها نسبة مريحة للعين من الناحية الجمالية والبصرية، لذلك فإن المستطيل الذهبي هو أكثر الأشكال بهجة للناظر.
وهذا التوصيف يتطابق ويتشابه تماماً مع نفس التوصيف للكعبة المشرفة حيث أن: النسبة المتوسطية ما بين عرض مبنى الكعبة إلى طولها 1.50.
النسبة الحقيقية بين حائط الكعبة بين الركنين الأسود واليماني إلى حائط الكعبة ما بين الركنين الأسود والعراقي هي 1.60 وهي تتطابق مع النسبة الذهبية.
فهل يمكن اعتبار هذا التطابق الهندسي من ناحية الشكل أو النسب الهندسية مصادفة؟ أم أن هذا التطابق الهندسي يوضح مدى الارتباط المادي ما بين المسجد الأقصى المبارك والكعبة المشرفة، والذي ربط بينهما القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، وهو ما يؤكد على الهوية الإسلامية للمسجد الأقصى المبارك، بما لا يدع مجالاً للشك وبخاصة أن قبلته تتجه لمكة المكرمة، حتى من قبل الفتح الإسلامي لبيت المقدس بعدة قرون.
اليبوسيون والكنعانيون
كان العرب اليبوسيون (العمالقة) أول من حفظ التاريخ الإنساني سكنهم في القدس، وكان ذلك قبل ستة آلاف عام حين هاجرت قبائلهم من الجزيرة العربية واستوطنوا مدينة القدس، وانشأوا عاصمة لهم باسم (يبوس) أو (أورسالم).
وهاجرت معهم قبائل الكنعانيين والفينقيين، وهم بطن منهم وأسسوا في شمال فلسطين ما يزيد علـى مئتي مدينة، مثل: شكيم (نابلس)، وحبرون (الخليل).
كما عاش معهم شعب الأموريين أو العموريين، وهي قبائل عربية نتج عنها شعب الهكسوس ا لذين غزوا مدينة القدس في سنة 1774 ق.م، وأجلوا حكم الفراعنة.
ودخل سيدنا إبراهيم - عليه السلام - المسجد الأقصى وبعض المدن المحيطة بها كالخليل أثناء حكم الهكسوس .
كما ظهر سيدنا إبراهيم - عليه السلام - المسجد الأقصى وبعض المدن المحيطة بها كالخليل أثناء حكم الهكسوس. كما ظهر سيدنا يعقوب وإسحاق - عليهما السلام. وظهر بنو إسرائيل في جنوب النقب (صحراء فلسطين). وارتحلوا مع سيدنا يوسف إلى مصر وعاش نسله حوالي 150 عاماً تحت حكم الهكسوس كذلك . ثم هزم الهكسوس وطردوا من مصر والشام، وأصبحت القدس تحت الحكم الفرعوني، ثم لملم اليبوسيون والكنعانيون صفوفهم وهزموا الفراعنة، واستأثروا بحكم القدس وما حولها .
تميزت أجيال اليبوسيين والكنعانيين العرب في تلك الفترة بالشدة والغلظة.. "إن فيها قوماً جبارين".
بنو إسرائيل والقدس
بُعث سيدنا موسى - عليه السلام - إلى بني إسرائيل في مصر خلال نهاية الحكم الفرعوني، وكانت الدولة الفرعونية تضطهد بني إسرائيل لأنها كانت ترى فيهم عملاء للهكسوس الذين دام حكمهم لمصر 200 سنة، لم تكن دعوة موسى - عليه السلام - مقصورة على دعوة بني إسرائيل والمصريين إلى الإيمان بالله عز وجل فقد كان الإيمان موجوداً أصلاً في بني إسرائيل - في ذلك الزمان - ودعوة موسى - عليه السلام - هي الخروج ببني إسرائيل إلى الأرض المقدسة التي يحكمها آنذاك القوم الجبارون، ورغم الآيات المعجزة والعظيمة التي أجراها الله تعالى على مرأى بني إسرائيل من انشقاق البحر وإهلاك عدوهم واعطائهم شريعة الألواح والمن والسلوى وتخويفهم بنتق الجبل فوقهم، إلا أنهم رفضوا دخول الأرض المقدسة فعوقبوا بالتيه أربعين سنة وهلاكهم هناك، وظهور جيل جديد فيه بعضٌ من إيمان.
وتوفي هارون وموسى عليهما السلام سنة 1186 ق.م، وتولى يوشع بن نون قيادة بني إسرائيل نحو الأرض المقدسة.
وبوفاته تشتعل الخلافات الداخلية بين اسباط اليهود ويضعف بنيانهم فيتمكن منهم العمالقة ويسلطون عليهم ألوان الاضطهاد والعذاب.
ويظهر في العمالقة الملك جالوت، وكان مقره ما بين فلسطين ومصر شمال سيناء (البيضاوي).
ويطلب بنو إسرائيل من نبيهم أن ينصب عليهم ملكاً عظيماً كجالوت ويختار عليهم طالوت ملكاً.
ثم تكون معركة يقتل فيها داود عليها السلام، جالوت ويتوجه داوود عليه السلام إلى القدس ويقيم فيها مملكة سنة 1000 ق.م. قرب قرية سلوان على الطرف الخارجي لمدينة القدس القديمة.
وتدوم مملكة داود ومن بعده سليمان - عليهما السلام - من سبعين إلى ثمانين عاماً وحصل خلالها تجديد سليمان لبناء الأقصى المبارك.
الأقصى في عهد سليمان
اشتهر عهد سليمان عليه السلام بالعديد من المشاريع العمرانية الرائعة التي جاء ذكر بعض منها في آيات القرآن الكريم، وكان الشياطين يشاركون في بنائها حيث يقول سبحانه وتعالى: }والشياطين كلُّ بناءٍ وغواص{ ص37، كما ذكر القرآن الكريم وصفاً للصرح الذي شيده سليمان عليه السلام لاستقبال بلقيس ملكة سبأ }قيل لها ادخلي الصرح، فلما رأته حسبته لجة وكشفت عن ساقيها، قالت إنه صرح ممرد من قوارير{ (النمل44).
وعن عبدالله بن عمرو - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم قال: "لما فرغ سليمان بن داود من بناء بيت المقدس سأل الله ثلاثاً: حكماً يصادف حكمه، ومُلكاً لا ينبغي لأحدٍ من بعده، وألاّ يأتي هذا المسجد أَحدٌ لا يريد إلاَّ الصلاة فيه إلا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه". فقال النبي - صلى الله عليه وسلم: "أما اثنتان فقد اعطيهما، وأرجو أن يكون أعطي الثالثة".. لهذا نرى اليهود اليوم يضعون امنياتهم مكتوبة ببين أحجار حائط البراق لتلبى احتياجاتهم ظانين أن الحائط جزء من هيكل سليمان "المزعوم".
وبناء سليمان للمسجد هو بناء تجديد وإعادة إعمار وأن الباني للمسجد الأقصى هو النبي آدم - عليه السلام - بوحي من الله .
السبي البابلي والفرس
احتل البابليون بيت المقدس، وسبوا النساء والأطفال إلى أرض بابل في عهد بختنصر، ثم غزت دولة فارس دولة البابليين، وبسطت سيطرتها على مملكتها ومن بينها مدينة القدس، وسمح الملك قورش لليهود بالعودة إلى القدس إن شاؤوا، فرجعت أعداد قليلة منهم، وسمحوا لهم بأداء طقوسهم الدينية.
وتسميته باليهود ابتدأت منذ هذا العهد حيث اطلق هذا الاسم على بقايا جماعة يهودا الذي سباهم بختنصر، وليس منسوباً إلى يهوذا رابع أبناء يعقوب عليه السلام، فلا رابطة عرقية بين بني إسرائيل واليهود، ولكن كتبة التوراة هم الذين اختلقوا هذه الرابطة واستنسبوا زوراً إلى إبراهيم ويعقوب عليهما السلام .
بقيت القدس تحكم الحكم الفارسي حتى منتصف 332 ق.م. القرن الثالث قبل الميلاد حين استطاع الاسكندر المقدوني انتزاع القدس عن الفرس مع أجزاء واسعة من مصر والشام.
اصطبغت المدينة بصبغة الإغريق، وكانوا قوماً يعبدون الأوثان وسمحوا بعبادتها داخل الأقصى.
ولما توفي الإسكندر المقدوني، اقتسم قادته الأرض المقدسة وعاشوا فيها 120 عاماً يعبدون الأوثان، وكان اليهود يعبدون الله على حرف.
واستغل العرب تفكك اليونانيين فاحتلوا جنوب فلسطين بما فيها القدس.
الرومان وظهور المسيح
في منتصف القرن الأول قبل الميلاد، اخذ الرومان في توسيع مملكتهم فاخذوا في الاستيلاء على ممالك الإغريق.
وفي عام 63 ق.م، استولوا على سورية وفلسطين، وخضعت مدينة القدس لحكمهم .
فسارع اليهود في اعطاء الولاء لروما، ووضع الرومان (هيرودس) والياً على القدس، وقام ببناء قلعة داود في مدينة القدس (قرب باب الخليل)، واعاد تجديد المسجد الأقصى. وكانت هناك خيانات يهودية متكررة تتم لصالح الفرس ضد دولة الروم، ووصلوا إلى مرحلة شديدة الانحراف عن الدين.
وظهر في ذلك الوقت بيت يهودي فريد من البيوت القليلة التي مازالت تعرف الدين الحق، وهو بيت (آل عمران)، الذين اصطفاهم الله عز وجل وجعل من نسلهم مريم وعيسى وابن خالته يحىى - عليهم السلام.
أي أنه اجتمع لبني إسرائيل ثلاثة أنبياء دفعة واحدة، أما المسجد الأقصى، فقد أصبح ذات طابع مادي لليهود حيث حولوه إلى سوق للبيع والشراء.
وامعنوا في الإفساد والاستكبار، فقتلوا يحىى وزكريا، وتآمروا مع بطليموس ضد الرومان، وحرضوه على قتل المسيح عليه السلام وصلبه لولا أن نجاه الله منهم، ولم يرحموا من تبقى من أتباع المسيح فقتلوهم وشردوهم .
ويرفع المسيح في العام 33م، وعادت الثورات إلى القدس من جديد، واشتغل اليهود بقطاعة الطرق للقوافل الرومانية حيث وضعت روما حدّاً لهذا التمرد سمي بالثورة المكابية سنة 70م، فحاصر القائد الروماني (تيطس) مدينة القدس ودمر معالمها بما في ذلك المسجد الأقصى.
وأجلى الرومان من بقي حيّاً من اليهود وابعدوهم عن مدينة القدس وبقيت القدس مدينة خراباً فارغة حتى العام 135 م.
حيث أمر الامبراطور الروماني (هدريان) بحرث المدينة المقدسة وإقامة مدينة جديدة باسم (إيليا كابيتولينا)، وكانت منطقة المسجد الأقصى خارج حدود هذه المدينة وخارج أسوارها.
كما تشير الخرائط الرومانية القديمة كالموجودة في مدينة مأدبا الأردنية مرسومة بالفسيفساء. وفرضوا عقوبة الإعدام على كل يهود يدخلها. كما أنشأ هدريان شبكة من الشوارع تعتبر أساس الطرقات الموجودة في القدس اليوم.
بيزنطة
اتخذت الدولة الرومانية في نشأتها الوثنية ديناً ومذهباً وبقيت كذلك حتى سنة 300م، حين أعلن الأمبراطور الروماني قسطنطين وأمه الملكة (هيلانا) اعتناقهما للديانة النصرانية على مذهب (بولس).
وجعلت النصرانية ديانية رسمية للدولة، وانقسمت روما على إثر ذلك إلى أمبراطورية بيزنطية في الشرق وآخرى رومانية في الغرب
وأصبحت القدس تتبع لامبراطورية بيزنطة، وبنيت في القدس مرافق كثيرة لعل أشهرها كنيسة القيامة التي اعتقدت الملكة هيلانا أنها بنتها في مكان صلب المسيح. وأصبح الحجاج المسيحيون يفدون إلى القدس التي اتسعت في عهدهم اتساعاً كبيراً.
المسجد الأقصى
وبقي المسجد الأقصى في تلك الحقبة الزمنية خرباً وخالياً، وكان اليهود منفيين خارج المدينة ولم يسمح لهم بزيارتها إلا في نهاية الحكم الرومانيي لقاء رسوم تدفع لبيزنطة.

الفرس
ولد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم عام 571م. وبعث رسولاً بعد أربعين عاماً 610 ليشهد هزيمة الرومان على يد الفرس سنة 614 .
وشهدت تحالفاً بين اليهود والفرس ضد دولة الرومان النصرانية في القدس وما حولها، فدخل الفرس المدينة وأعملوا فيها قتلاً وتدميراً، فتهدمت كنيسة القيامة وقتل من النصارى الكثير.
ثم تحققت نبوءة القرآن الكريم في سورة الروم وعاد الرومان للسيطرة على القدس بعد هزيمة الفرس 629م واضطهد اليهود من جديد على يد هرقل جزاء خيانتهم العظمى في حق دولة الروم وتبدل ولاءاتهم.
ولم يدم انتصار هرقل طويلاً فقد أعقبه مباشرة الفتح العربي الإسلامي للقدس بعد انتصار المسلمين على الروم في معركة اليرموك عام 636م.
ومنذ هذا التاريخ بدأت مدينة القدس تعيش حقبة تاريخية ودينية مختلفة عما قبلها ووضعت حدّاً فاصلاً لعمران مدينة القدس، ألقت فيه الحضارة الإسلامية بظلالها السمحة على تاريخها وعمرانها ومبانيها.
القدس في العهد النبوي
كان للعرب في الجاهلية رحلة تجارية تسافر قوافلهم خلال الصيف إلى بلاد الشام التي منها القدس وفي الشتاء يسافرون إلى اليمن، ولقد شارك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في رحلتين إلى بلاد الشام كما أن عمر بن الخطاب تاجر في أسواق غزة.
وابتدأت البعثة النبوية في 10/8/610م، وكانت رحلة الإسراء والمعراج في السنة الخامسة من البعثة النبوية وكانت الفتح الروحي لبيت المقدس (615م)، وكانت هذه الذكرى إحدى الصلات الرئيسية التي تشد المسلمين إلى بيت المقدس والمسجد الأقصى، كما كانت إحدى القواعد الأساسية التي تربط العالم الإسلامي بفلسطين، وكذلك الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة، التي وجهت قادة المسلمين لفتح البلاد ونشر الدعوة الإسلامية فيها، وكانت معركة مؤتة بداية الصراع بين المسلمين والبيزنطيين، حيث جهز صلى الله عليه وسلم جيشاً بقيادة أسامة بن زيد لإنفاذه إلى الشام، ولكنه توفي صلى الله عليه وسلم قبل سيره فبادر سيدنا أبوبكر الصديق إلى إنفاذه، وكان هناك غزوات أخرى تلة حيث انتصرت جيوش العرب في الشام بقيادة عمر بن العاص على الروم في موقعة اجنادية غرب الخليل عام 634 / 13 هـ .
وكذلك ا نتصرت بقيادة خالد بن الوليد في وادي اليرموك على الروم وقتل قائدهم "تيودروس" 15هـ عام 636م، ثم زحفت الجيوش الى القدس .
الأقصى في الفتح الإسلامي
كانت مدينة إيلياء (القدس) محصنة بحكم موقعها وأهميتها الدينية، وكعادة الفتح الإسلامي فقد أنذر أبوعبيدة بن الجراح أهل إيلياء من النصارى الروم، إما بقبول الإسلام أو دفع الجزية أو الدخول في الحرب، فلم يستجب أهل ايلياء لهذا الإنذار واختاروا القتال.
وحاصر المسلمون المدينة أربعة أشهر، فخرج الروم مستسلمين وعلى رأسهم بطريرك القدس "صفرونيوس"، وطلبوا الصلح ولكنهم اشترطوا عليه ألا يسلموا المدينة، إلا إلى الخليفة عمر بن الخطاب، ودخل عمر بن الخطاب فاتحاً إيلياء سنة 15 هـ / 636م، واعطى أهل ايلياء أماناً على أنفسهم وأموالهم ودينهم في وثيقة عرفت "بالعهدة العمرية".
عهد عمر بن الخطاب
كان أول عمل قام به عمر بن الخطاب، بعد فتح بيت المقدس، أن قام بزيارة كنيسة القيامة، ولما كان فيها حان وقت الصلاة، أشار إليه البطريرك صفرنيوس أن يصلي في داخل الكنيسة، فأبى عمر وخرج من الكنيسة وصلى في مكان على مقربة منها خشية أن يتخذ المسلمون صلاته داخل الكنيسة ذريعة فيضعون أيديهم عليها.
وقد بنى فيما بعد في الموضع الذي صلى فيه عمر مسجداً عرف باسمه.
وبعد ذلك توجه إلى مكان المسجد، وكان في حالة خراب حيث تجمعت فيه الأقذار وأصبح مزبلة، وهناك أخذ عمر يتفحص المكان، ثم قال بصوت مرتفع: "والذي نفس عمر بيده إنه لمسجد داود الذي وصفه لنا نبينا عليه السلام في الإسراء والمعراج.
وأخذ عمر ومن معه يتعاونون على تنظيف المكان. ثم أقام عمر مسجداً مبنياً من ألواح الخشب ومن جذوع الأشجار، وبناؤه بسيط جداً وجاء على هيئة مربع ويتسع لثلاثة آلاف من المصلين.
ولهذا كان أئمة الأمة، إذا دخلو المسجد، قصدوا الصلاة في المصلى الذي بناه عمر، وقد روى عن عمر أنه صلى في محراب داود (فتاوى ابن تيمية 272).
ثم بدأ عمر بعملية التنظيم الإداري والقضائي، كما أسس الحسبة لمراقبة الموازين، والمكاييل، ولمنع الغش .
وفي عصر الخليفة الأموي عبدالملك بن مروان بدأت المسيرة المعمارية المباركة لبيت المقدس، فأمر ببناء قبة الصخرة المشرفة فجاءت على صورة كبيرة من العظمة والفخامة لاظهار عظمة وقوة الخلافة الإسلامية الحديثة في حينها أمام القوتين العظمتين الفرس والروم، ذلك أنه إبان الفتوحات الإسلامية لبلاد الشام ، كان سكان هذه البلاد إما نصارى أو وثنيين، ومنهم من دخل الإسلام مع الفتوحات، ولكنهم بقوا ضعفاء الإيمان فكيف لا وهم قد اعتادوا على رؤية الحضارة البيزنطية تتألق من خلال مبانيها الفخمة مثل الكنائس والقلاع خاصة كنيسة القيامة في القدس الشريف، وكنيسة المهد في بيت لحم، فما كان للخليفة الأموي ألا أن يبني هذه القبة العظيمة منافساً فيها العمارة البيزنطية، وليثبت للسكان مدى قوة الدولة الإسلامية الجديدة.
ويقول المؤرخ الجليل المقدسي من عام 985م، في مناقشة أحدهم: "ألا ترى أن عبدالملك لما رأى عظمة قبة القمامة "القيامة" وهيئتها خشي أن تعظم في قلوب المسلمين فنصب على الصخرة قبة على ما ترى".
ويقول مصطفى الدباغ: "ويبدو أن الهدف من بناء هذا المسجد الفخم (القبة)، يعود إلى أن تتضاءل ضخامة وفخامة جارته كنيسة القيامة وغيرها من كنائس المسيحيين في بلاد الشام".
وأوصى الخليفة عبدالملك بن مروان ابنه الوليد بن عبدالملك بإكمال هذه المسيرة، فقام ببناء المسجد الأقصى، كما قام ببناء بعض القصور (دور الحكم)، خارج سور الحرم الشريف.
وتم الفراغ من بناء قبة الصخرة المشرفة سنة 72 هـ / 691م، وذلك حسب النقش التذكاري المعمول من الفسيفساء المذهبة بالخط الكوفي والواقع أعلى التثمينة الداخلية للقبة في الجهة الشرقية الجنوبية منها، ويقول النص: "بنى هذه القبة عبدالله الإمام المأمون في سنة اثنين وسبعين تقبل الله منه"، وهو خطأ واضح حيث قام أحد الفنيين بتغيير اسم عبدالملك الخليفة الأموي ووضع مكان اسم المأمون العباسي (198 - 218هـ).
وقد عم الاستقرار والرخاء الخلافة الأموية، فجاءت صورة قبة الصخرة بهذا الجمال، لذا قالوا: إن الله اختص مكة بالجلال، واختص بيت المقدس بالجمال"، ولعل السبب الديني وهو وجود هذه الصخرة التي عرج عنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى السموات العلى، كما أقدم الخليفة ليشيد هذه القبة فوقها، وأرصد لها خراج مصر سبع سنوات، فجاءت من أروع ما وصل إليه المجهود الإنساني في فن العمارة.
ويقال أن الخليفة وصف ما يختاره من عمارة القبة وتكوينها للصناع، فصنعوا له إنموذجاً فاعجبه تكوينها وأمر ببناء الصخرة كهيئته، وهذا الانموذج هو قبة السلسلة. ووكل على الإنشاء أبا المقدام رجاء بن حيوة الكندي أحد علماء الإسلام من أهل فلسطين، ويزيد بن سلام مولى عبدالملك بن مروان من أهل بيت المقدس .
الأقصى في زمن الوليد
- مسقوف بستة آلاف خشبة.
- به ستمائة عمود من الرخام.
- سبعة محاريب.
- من السلاسل للقناديل 375 قنديلاً موزعة على المسجد الأقصى وقبة الصخرة.
وكان يسرج مع القناديل ألفا شمعة في ليلة الجمعة، وفي ليلة النصف من رجب وشعبان خمسة عشر قبة سوى قبة الصخرة.
ورتب له من الخدم 300 خادم، إذا مات أحدهم قام مكانه ولده أو واحداً من أهله.
وفيه من الصهاريج أربعة وعشرون صهريجاً كباراً.
ومن المنابر أربعة ثلاثة منها صف واحد غربي المسجد وواحدة على باب الأسباط.
وكانت الأبواب كلها ملبسة بصفائح الذهب والفضة في خلافة الوليد بن عبدالملك.
فلما قدم أبوجعفر المنصور العباسي، وكان شرقي المسجد وغربيه قد وقعا فقيل له يا أمير المؤمنين قد وقع شرقي المسجد وغربه من الرجفة في سنة 130هـ، ولو أمرت ببناء هذا المسجد وعمارته، فقال ما عندي شيء من المال، ثم أمر بقلع صفائح الذهب والفضة التي كانت على الأبواب، فقلعت وضربت دنانير ودراهم وأنفقت عليه حتى فرغ. وكانت خلافة المنصور سنة 136 وهو ثاني الخلفاء العباسيين 
العصر العباسي
نقل الخلفاء العباسيون عاصمة خلافتهم إلى بغداد عام 765م، ولم تحظ القدس بالاهتمام الذي حظيت به زمن الأمويين حيث أن الخلفاء العباسيين لم يكونوا مستعدين للبذخ في الإنفاق على الشام وبيت المقدس.
وفي عهد أبي جعفر المنصور (757م)، قام بزيارة القدس، وكانت حالة المدينة يرثى لها، فقد أصاب الحرم الشريف زلزال سنة 747م ، فتهدم المسجد الأقصى وسقط جداري قبة الصخرة، كما تهدم القصر الأموي وكنيسة قسطنطين.
فاقترح الخليفة المنصور أن تذاب القشرة الذهبية لأبواب المسجد الأقصى لتغطية نفقات الإصلاح اللازمة.
وبعد إصلاح المسجد الأقصى تهدم بزلزال سنة 771م، فأمر الخليفة المهدي (775 - 785م)، بإعادة بنائه وتوسيعه، وكان المسجد هذه المرة أكثر متانة وله قبة جميلة.
كما سمح الخليفة هارون الرشيد (786)، للإمبراطور تشارلز شارلمان بترميم الكنائس، كما تعهد بحماية الحجاج المسيحيين الذين يفدون إلى القدس.
كما تم في عهد المأمون (813م)، ابن هارون الرشيد إعمار قبة الصخرة.
القدس في عصر الدولة الأخشيدية (938 - 965م)
لم توجد آثار أو عمائر في القدس في عهد الدولة الأخشيدية سوى أن مؤسسها محمد بن صنج بن بلتكين بن خاقان الملقب بالأخشيد، عندما توفي بدمشق نقل إلى القدس ودفن فيها، وكذلك دفن ولداه فيما بعد، وعرف هذا المدفن باسم تربة أمراء الدولة الأخشيدية.
القدس الفاطمية
استولى عليها جوهر الصقلي، قائد المعز الفاطمي سنة 966م، إثر الخلاف الذي دب في صفوف الأخشيديين بعد موت كافور وأقام الخطبة للمعز، وأصبحت القدس فاطمية سنة 969م.
وكانت القدس من حيث الأهمية السياسية في الدرجة الثانية بعد الرملة، وممن يشهد له من الخلفاء الفاطميين، الظاهر لإعزاز دين الله حيث شرع في بناء سور القدس، وحدث زلزال كبير على عهده كاد يودي بقبة المسجد الأقصى فسارع إلى تعميرها فجاءت أحسن مما كانت عليه من قبل.
أما في عهد المستنصر بالله ابن الظاهر حيث اتسع سلطان الفاطميين على عهده، فامتد من المغرب إلى خراسان وفارس "خارجياً" وفي عهده انثلم سور القدس، وانشقت الصخرة.
و"داخلياً" قويت شوكة الأتراك، وراحت نهباً مقسماً بينهم وبين العبيد بسبب ضعفه ومن الأمراء الذين علت كلمتهم في عهده الأمير بدر الدين الجمالي، والأمير أتسز بن أدق الخوارزمي، وقد استولى هذا على بيت المقدس (1070)، وباستيلائه زالت دولة الفاطميين عن القدس.
ومن المؤسسات الفاطمية في بيت المقدس (البيمارستان)، وهو أول مستشفى أسس فيها، وكان ينفق عليه مبالغ طائلة تأتي عن طريق البر والإحسان، وأطباؤه يتقاضون راتباً مقطوعاً. و(دار العلم)، وهي فرع لدار الحكمة التي أسست في مصر عام 1004 للميلاد.
ونقرأ في (سفر نامة)، للسائح المشهور (ناصري خسرو)، وصفاً للقدس في عام 1047 .
يحيط بالمدينة سور منيع، مبني بالحجارة، وللسور أبواب من حديد.. يقطن فيها عشرون ألفاً من السكان، بينهم صناع كثيرون، ولكل صنعة سوق خاصة بها.
القدس والأتراك
استولى (ألب أرسلان)، السلجوقي على بيت المقدس في سنة 1072م (والسلاجقة أخلاط من الترك)، أول من دخل منهم بغداد طغرل بك (1055) في عهد الخليفة العباسي القائم بأمر الله، وهو الذي ازال دولة بني بويه ولما توفى تولى الملك من بعده ابن اخيه محمد ألب ارسلان، وبهذا دخلت القدس في حوزة الأتراك السلجوقيين وكان ملكهم يومئذٍ يمتد من الصين شرقاً إلى أقصى اليمن جنوباً.
ولما مات ألب أرسلان تولى الملك ولده (محمد ملك شاه)، ولقب بالسلطان العادل، وعلى عهده ثار المقدسيون عليه سنة 1077م، فأرسل عليهم جيشاً بقيادة (أتسز بن أوق)، الخوارزمي فحاصر المدينة، وكان فيها عساكر مصر ففتحها عنوة ونهبها وقتل أهلها، ولم ينج أحد منهم ولا الذين احتموا بالمسجد الأقصى، وساد الجوع والغلاء.
ومن عمال ملك شاه الذين تولوا إدارة بيت المقدس الابن (أرتق بن أكسك)، التركماني، فقد استولى هذا على بيت المقدس بحد السيف وأسس فيها دولة عرفت بدولة الأرتقيين سنة 1077 .
وفي سنة 1091 توفي ارتق عن ولدين: (إيلغازي)، و(سقمان) فحكما معاً في بيت المقدس وسائر فلسطين.
وبعد ذلك باربع سنين سنة 1095م، جاء الأفضل أمير جيوش مصر إلى القدس يبغي تخليصها من الأرتقيين، فحاصرها ونصب عليها المجانيق وقاتلهم أربعين يوماً.
وتحالف سكان بيت المقدس مع الأفضل بعد أن أمَّنهم ففتحوا له أحد الأبواب سنة 1096، فدخل منه، وخرج سقمان وإيلغازي من باب آخر. واظهر المقدسيون بعدئذٍ الطاعة لمصر.
وفيما كان النزاع قائماً بين السلجوقيين والفاطميين، إذ كان الأولون متمسكين بالخلافة العباسية وكان الآخرون يتشيعون للخلافة العلوية، كان الصليبيون يعدون العدة للزحف صوب القدس فأخذوها من المسلمين. سنة 1099م.
تحت الحكم الصليبي
احتل الصليبيون القدس، وقتلوا من 40 إلى 70 ألفاً من سكانها والمدافعين عنها، واستولوا على الممتلكات والمباني سواء كانت للمسلمين أو المسيحيين المنتمين إلى الكنيسة الشرقية، وحولوا قبة الصخرة إلى كنيسة،و اسموها "صخرة الدومني". أما المسجد الأقصى فقد اتخذوا جانباً منه كنيسة وجانباً آخر مسكناً لفرسان الهيكل، والباقي استعملوه مستودعاً.
الأقصى في العصر الأيوبي
انتصر صلاح الدين الأيوبي على الصليبيين في معركة حطين في فلسطين عام 1187م، ودخلت قواته القدس دون أن تقتل مسيحيّاً واحداً من أهل المدينة، ولم يعامل أعداءه الصليبيين بمثل ما فعلوا، بل أتاح لهم مغادرة المدينة.
وأخذ صلاح الدين العمل على أسلمة القدس وإعادة الروح والوجه الإسلامي لها مرة أخرى، فبدأ بتطهير الحرم القدسي من آثار فرسان الهيكل في المسجد الأقصى وأزيلت الصور والتماثيل من على قبة الصخرة، وأعاد الآيات القرآنية والزخارف الإسلامية مرة أخرى.
وانتشر جنود صلاح الدين في شوارع المدينة وأحيائها يحفظون الأمن والنظام، وبعد أن وزع الهبات والعطايا على ************ جيشه وأمرائه والجيش، وانتهى من قبول تهاني المهنئين شرع في تنظيم الشؤون الدينية والعامة، فأزال من مسجدي الصخرة والأقصى ما بهما من آثار نصرانية، ثم عمرها تعميراً يتناسب والغاية التي أنشئت من أجلها، ونقل إلى المسجد الأقصى المنبر الذي كان في مدينة حلب، وكان قد صنع قبل ذلك بعشرين سنة وبأمر من نور الدين محمود زنكي، ليؤتى به إلى القدس عند فتحها.
وأمر صلاح الدين بفتح كنيسة القيامة وفتح للمسيحيين مجال التعبد فيها بحرَّية.
ومن الأعمال التي قام بها أنه أتى بعدد من القبائل العربية كبني حارث وبني مرة وبني سعد وبني زيد والجرامنة، فأقطعها بعض أجزاء المدينة ليستوطنوها.وهو الذي رتب الأعياد والمواسم المعروفة في فلسطين كموسم النبي موسى في القدس، والمواسم الأخرى في المدن الفلسطينية الأخرى.
وقد قيل أن هذه المواسم من وضع الملك الظاهر بيبرس.
والوقت الذي اختير لإقامة هذه المواسم هو الوقت المخصص لعيد الفصح ذلك العيد الذي يفد فيه إلى القدس عدد كبير من مسيحيي أوروبا كزائرين، فخشي المسلمون أن ينقلب الزائرون إلى جند في نهاية الأمر فيحتلوا المدينة.
وانتعشت الحركة التجارية في المدينة، إثر الفتح الصلاحي، فكثرت المواد التي كانت تصدرها إلى الخارج ومنها الجبن والقطين والزبيب والزيتون والتفاح، وقضم قريش والمرايا وقدور القنابل والإبر والألبان.
ومن آثار صلاح الدين في القدس:
- قام بتوسعة (البيمارستان) الذي أسسه الفاطميون فجعله من أعظم المستشفيات في الإسلام وكان يداوي فيه الجرحى والمرضى من الجنود والأهلين من غير أجر ولا عوض.
- الخانقاه الصلاحية، وقد اتخذها مسجداً ورباطاً للصلحاء الصوفيين.
- عَمَّر سور المدينة وجدد ما تهدم منها وانشأ عدداً من الأبراج الحربية في الجزء الواقع بين باب العمود وباب الخليل، وكثيراً ما رآه الناس وهو يشارك العمال في نقل الحجارة وأعمال البناء، هو وأولاده وامراؤه وأخيه العادل.
- قبة يوسف على الطرف القبلي من فناء الصخرة.
- جامع الجبل الكائن على جبل الطور، إلى الشرق من المدينة (جبل الزيوت).
- مقبرة الساهرة، وكانت على عهده تدعى مقبرة المجاهدين حيث أمر بدفن الذين لاقوا ربهم فيها.
- المدرسة الختنية بجوار المسجد الأقصى من القبلة.
- المدرسة الصلاحية، على بضعة أمتار من السور الشرقي عند باب الأسباط. كانت فيما مضى مدرسة للروم، بنيت في المكان الذي كان فيه بيت (حنة)، والدة مريم البتول عليها السلام وبعلها يواكيم وكان فيها على عهد الصليبيين كنيسة يسمونها كنيسة القديسة (حنه)، فجعلها صلاح الدين مدرسة، ووقفها للفقهاء الشافعية سنة 1192م. وبقيت في حوزة المسلمين حتى القرن التاسع عشر للميلاد فتنازل عنها الأتراك للفرنسيين بعد حرب القرم، لأن الفرنسيين وقفوا إلى جانب الأتراك وخاصموا الروس في الحرب المذكورة.
وأعطاها الفرنسيون إلى الآباء البيض فاتخذوها مدرسة إكليركية، وبقيت كذلك حتى الحرب الكونية الأولى 1914، إذ جعلها الأتراك كلية باسم (الصلاحية)، ولما سقطت القدس في يد الانكليز أعادها هؤلاء.

ليست هناك تعليقات: